الحب أطاح به.. تفاصيل مثيرة في قصة "العم حاجي" - صور
لم يكن يعرف الشاعر العربي عبد الملك الأصمعي عندما أنشد بيته الشهير "إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان أمره.. فليس له شيء سوى الموت ينفع" أن يأخذ رجل من بلاد فارس بنصيحته، وذلك بعد أن حل به العشق ولم يستطع مداراة الهوى وكتمان سره.
وبعد هيام لازمه طوال 7 عقود، توفي "العم حاجي" الأحد الماضي، عن عمر ناهز 94 عاما في ضواحي قرية دجغاه التابعة لمحافظة فارس (جنوبي إيران)، عقب سماعه شعر الأصمعي وإطاعته، مبلغا سلامه إلى من كان للوصل يمنع.
ورغم أن العم حاجي لم ينه حياته حينها، فإنه هجر قريته وأهلها، واختار العزلة على مشارفها؛ ليتلذذ بمرارة الحب، ويجمع في ما تبقى من حياته النقيضين؛ حيث رفض الاستحمام بالماء من جهة وأدمن شربه في الوقت نفسه، فيحرص على شرب غالون من السوائل يوميا يجمعها من مياه المطر والبرك المحيطة بالقرية، إلى جانب علب المشروبات الغازية التي يجلبها السكان المحليون له.
وعلى النقيض من قراره هجر ديار الحبيبة، فإنه لم يطق فراقها بعيدا، وخلافا لهيئته التي اكتسبها نتيجة معايشة الحيوانات الشاردة والمفترسة، فإنه بقي يهتم بمظهره على طريقته؛ فيحلق لحيته وشعره عن طريق إضرام النار فيهما، وبقي يحتفظ بمرايا السيارات ليتطلع إلى وجهه.
وذاع صيت حكاية العم حاجي خلال العقود الماضية في وسائل الإعلام داخل إيران وخارجها، إذ أعد المخرج الإيراني جمشيد خاوري وثائقيا عنه باسم "الحياة الغربية للعم حاجي" عام 2013، وعرضه في مهرجان سينما الحقيقة الدولي بالعاصمة طهران.
وبعد عقود من رفضه الاستحمام وتدخين فضلات الحيوانات والتغذي على جثثها المتعفنة، قام فريق من الأطباء الإيرانيين بفحص العم حاجي وإخضاعه لاختبارات شاملة قبل 7 أعوام، وكانت المفاجأة حين أظهرت النتائج أنه يتمتع بصحة جيدة للغاية، وأنه يمتلك جهاز مناعة قويا يتلاءم مع أسلوب حياته.
تعود قصة العم حاجي إلى 70 عاما خلت؛ حين وقع في حب فتاة من قريته وهو في ريعان شبابه، فتقدم الشاب الرومانسي ذو البشرة البيضاء -كما يصفه سكان القرية- طالبا يدها، لكن أسرتها رفضت زواجها منه، مما أدى إلى اختفائه أكثر من 4 أعوام.
وبعد أن ظنت عائلته أنه توفي في الصحراء أو انتحر جراء أزمته العاطفية، عثر عليه أحد أبناء القرية شاردا على مسافة 100 كيلومترا من مسقط رأسه، فأعاده إليها لكنه أبى أن يدخل بيوتها، كما أنه التزم الصمت المطبق، فعدّه أقاربه من المجانين.
وبعد أن اعتاد العيش في حفرة بالقرب من القرية، أكثر الأهالي من جلب الهدايا والطعام إليه، فتعود ألا يتعب نفسه وأن يقتات على ما يجلبه الجيران، لكنه تغيّر شيئا فشيئا؛ فأمسى يكره الطعام الطازج والمياه العذبة.
وشيّد السكان المحليون للعم حاجي كوخا مفتوحا من الطوب ليقيه برد الشتاء والمطر، لكنه تعود على النوم داخل الحفرة التي تشبه القبر.
تفادى العم حاجي معظم حياته الاستحمام خشية أن يؤدي ذلك إلى إصابته بالمرض، إذ كان يعتقد أنه سيمرض إذا اغتسل، وبعد أن خطط شباب القرية لاصطحابه إلى النهر المحلي ليستحم فيه ألقى بنفسه من السيارة المسرعة وهرب فور علمه نواياهم، وذلك قبل أن يمرض إثر استحمامه للمرة الأولى قبل شهر، حيث أقنعه رجال القرية وأحضروا الماء لتنظیفه.
ولم يخف العم حاجي رغبته في العثور على شريكة حياة وتكوين أسرة حتى الأعوام الأخيرة من حياته، لكنه سرعان ما غير رأيه بالقول إنه قد فات الأوان، ولم يعد يرغب في إقحام حب امرأة ثانية في قلبه.
بعد رحلة استمرت قرابة قرن، ترجل العم حاجي عن حياة العزلة عازبا، ولسان حاله ما قاله الشاعر العباسي عبد الملك الأصمعي "هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم.. وللعاشق المسكين ما يتجرع".