حسن أبو علي.. “فارس الكشك” والمرسى الجميل لرواد المعرفة
أخبار الأردن
رسم: ناصر الجعفري - كتابة: محمد الرنتيسي
أثارت وفاة أشهر وأقدم بائع كتب في الأردن، حسن أبو علي، صاحب كشك الثقافية العربية، بمنطقة وسط البلد في عمان وواحد من أبرز معالمها، حزنا عميقا وواسعا في أوساط العمانيين الذين كان أبو علي صديقا لهم لا يشبهه صديق.
أبو علي المولود عام 1944، يحظى رمزية استثنائية في مجاله، بوصفه ابنا وأبا في آن واحد، للمعرفة بمختلف أصنافها وأشكالها، فهو ابنها بثقافته العامة ومستوى إدراكه واطلاعه، وأبوها في حرصه الشديد على توفير “ما لذ وطاب” لرواده المثقفين والباحثين عن المعرفة، من الكتب والإصدارات المعرفية عموما، سواء القديمة أو الحديثة، وليس في مجال واحد وحسب، إنما في المجالات كافة.
سكن “فارس الكشك” قلوب كل من تعامل معه، وبات الأمر عند كثيرين حكاية تعلق شديد لا يمكن فيها زيارة وسط البلد دون الوقوف والتوقف عند أبو علي، والاستمتاع بكل ما يفوح في المكان بدءا من ترحيب الرجل بمن جاء وليس انتهاء بفوح رائحة الكتب التي ظل أبو علي حارسا لها في وجه ما تفعله التكنولوجيا الحديثة في الورق بجميع أهدافه.
أبو علي أبسط بكثير من التكنولوجيا وامبراطوريتها الواسعة المساخة والنفوذ، إلا أنها استعصت على إضعاف إيمان الرجل بصداقة الكتب وأهمية إبقائها حية على الأرض بكامل طاقتها وأناقتها، وكذلك فعل رواده الذين ما خانوه، وظلوا روادا للكشك وصاحبه البشوش الذي يحرص على أن لا يمس السوء ابتسامته في حضرة أي ضيف من أي مستوى.
تتصفح منصات التواصل الاجتماعي، فتجد أنها تمتلئ برثائه والدعاء له، فنعته الملكة رانيا، وكذلك رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز بكلمات مؤثرة، وهو ما فعله كثيرون جدا، أحبوه جدا وأحبهم جدا، ممن لن يمر موته بالنسبة أبدا، وسيظلوا يستذكرونه مع تصفح كل ورقة في كتاب، ومع كل خطوة تمشيها أقدامهم في وسط البلد.
لن أجهد نفسي بكتاب خاتمة في هذا المقام، أشد “جمالا وإيلاما” مما كتبه الصحفي الشاعر، غازي الذيبة، في الرجل، وتاليا نصه:
برحيل حسن أبو علي تفقد “الوِراقة” في عمان أحد أركانها الكبار، ففي وقت أصبح فيه اقتناء الكتاب مرهقا، ظل أبو علي مستمرا في مهنته، مصرا على أن يبقى الكتاب حاضرا في نبض عمان التي داخ في عشقها.
ولكم تبادلنا الحديث عن هموم الكتاب، والحاجة إلى شيوعه ليغدو مثل الخبز، لكن الأرق ظل يطوي أحاديثنا: فلتأكل الناس الخبز والمعرفة معا، وهذا يتطلب حرصا حقيقيا على أن نمتلك قمحنا ومعرفتنا، لكن أنى لنا ذلك، ونحن لا نمتلك المعرفة ولا القمح؟.
يرحل أبو علي في يوم ماطر، كأنه أراد أن يقول لنا: ستظل الحياة خصبة، جميلة، مدهشة، لا تعكروها بالغياب عن المعرفة والكتاب والثقافة.
ونبقى نحن نترقب أن ينهض فينيق المعرفة في عروقنا، وأن تستيقظ حواس الجمال في كل لحظة من لحظاتنا، وأن ننهض من كبوتنا التي طال أمدها.
يرحل أبو علي، ابن الناس وصديقهم، ولكننا سنبقى نحتفظ بزعتر روحه ودحنونه البهي وهو يرد علينا السلام حين نمر عليه، وحين يمر علينا لنحتسي القهوة أمام كشكه في قلب عمان.