عدنان أبو عودة.. الموت يُغيب “صاحب الصعود المثير” عن اشتباكات الفكر والسياسة 2022-02-02
أخبار الأردن
رسم: ناصر الجعفري - كتابة: محمد الرنتيسي
في الكتابة عن عدنان أبو عودة، ثمة اشتباكات فكرية وذهنية يقع الكاتب تحت وطأتها قبل أن يخط حرفا واحدا في سيرة ومسيرة رجل “ليس سهلا”، ويعد أحد أبرز الشخصيات المثيرة للاهتمام والجدل منذ طفولته مرورا بمحطات سياسية وأمنية ساخنة، وحتى وفاته في 2 شباط (فبراير) 2022.
أبو عودة المولود في نابلس عام 1933 وكما هو موثق عنه، عاش طفولة متواضعة في أسرة بسيطة محدودة الدخل، إذ كان والده يعمل صانع صابون ووالدته ربة منزل، وعمل عندما اشتد عوده “صبيا في محل ميكانيك سيارات”، إلا أن والدته أصرت على أن يكمل دراسته الثانوية في نابلس، وهو ما حدث بالفعل، فاستمر فيها وسافر للدراسة في الأردن ولاحقا إلى بريطانيا.
في بدايات شبابه خلال دراسته في عمان، انضم أبو عودة إلى صفوف حزب التحرير المحظور، وحينها كان صديقا لابن مؤسس الحزب تقي الدين النبهاني، لكنه قرر ترك الحزب عام 1955 في أعقاب أحداث حلف بغداد، لينضم بعدها إلى الحزب الشيوعي الذي تركه بسبب ثورة 14 تموز في العراق، قبل أن يقرر هجرة الأحزاب بشكل نهائي، ويقول “اكتشفت بأني لا أصلح أن أكون حزبيًا.. لا أريد لأحد أن يفكّر عني”.
بعد ذلك، قادت الصدفة أبو عودة إلى “حضن المخابرات”، إذ وأثناء مسيره في أحد شوارع عمان، نادى عليه شخص من داخل سيارته، ليتبين أنه “صديق الدراسة”، الراحل محمد رسول الكيلاني (مدير مخابرات أسبق)، فصعد معه بعد تردد خشيةً وحرجا من أن يراه أحد ويعتقد أن الشيوعي يعمل في جهاز المخابرات أو محسوب عليه.
اصطحب الكيلاني صديقه أبو عودة إلى مكتبه في دائرة المخابرات، لينتهي الحديث والجدل بينهما، بموافقة أبو عودة على العمل في فلسطين للتجسس على إسرائيل، بعدما رفض ذلك كونه عضوا في الحزب الشيوعي، ولم يتخيل نفسه رجلا أمنيا، إلا أن ذلك حدث وانضم بالفعل لـ”الجهاز” كضابط مخابرات في عام 1966.
سرعان ما انتقل أبو عودة إلى التحليلات السياسية في دائرة المخابرات، للاستفادة أكثر من مهاراته وقدراته، قبل أن ينتقل وهو برتبة رائد لتسلم حقيبة الإعلام في الحكومة العسكرية التي تشكلت عام 1970، ويعود مجددا لتسلمها في حكومة أحمد طوقان التي تشكلت في العام نفسه، ثم في حكومة الشهيد وصفي عام 1971، وهي الحقيبة ذاتها التي تولاها في حكومات لاحقة، كان آخرها في العام 1984.
دخوله إلى المخابرات ومن بعدها إلى الحكومات، وضع أبو عودة تحت القصف على أكثر من جبهة، بوصفه صاحب فكر شيوعي مناوئ لأنظمة الحكم والسياسات الرسمية، بالإضافة إلى أن تزامن ذلك مع الأحداث المعروفة بـ”أيلول الأسود”، جعله أيضا عرضة لهجوم شرس من قبل “الفدائيين” وشخصيات فلسطينية وازنة.
قُضي الأمر، ومضى أبو عودة ليدخل نادي عضوية مجلس الأعيان عام 1974، الذي عاد إليه في 1997 بعدما كان شغل مناصب عدة بينها عضو المجلس الوطني الاستشاري، ووزير البلاط الملكي، والمستشار السياسي للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، ورئيس الديوان الملكي، ومندوب الأردن الدائم لدى الأمم المتحدة، فيما عمل لاحقا مستشارا لجلالة الملك عبد الله الثاني.
في الحديث عن أبو عودة، لا يمكن القفز عن مفصل مهم وحساس واجه الرجل في عام 2006، عندما حل ضيفا على برنامج “زيارة خاصة” عبر فضائية الجزيرة، وقادته تصريحاته حينها إلى المثول أمام محكمة أمن الدولة بتهمة الإساءة للملك، وإثارة الفتنة داخل المملكة بحديثه عن “أصحاب الحقوق المنقوصة”.
رغم أن المحكمة لاحقا طوت ملف القضية دون إدانة أبو عودة، إلا أن دفاع الرجل عن نفسه بقوله إنه فُهم خطأ، وإنه لا يمكن أن يسيء للدولة والنظام والشعب، لم يشفع له عند كثيرين استلوا سيوفهم لمهاجمته و”تكفيره وطنيا”، منهم على سبيل المثال لا الحصر، رئيس الوزراء الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، ومدير المخابرات الأسبق، نذير رشيد، ووزير الإعلام الأسبق، صالح القلاب.
في سنواته الأخيرة، دأب أبو عودة على كتابة مذكراته “يوميات عدنان أبو عودة” و”المستدرك على يوميات عدنان أبو عودة”، وهي مليئة بالأحداث والروايات المهمة والمشوقة لمن يتفق أو يختلف معها، ولمن يصدقها أو يكذبها، فيما لم يتوقف حتى وفاته عن القراءة والكتابة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات “على عكازته”، بذهن نشط وتفاعل لافت وذاكرة حديدية.
اليوم، يرحل أبو عودة بما له وما عليه، وهو في كل الأحوال وبعيدا عن أي تجاذبات، صاحب رؤية وفكر وأداء يصيب فيه ويخطئ، وفي كل الأحوال أيضا، سيظل حاضرا كلما حضرت سيرة “رجالات الدولة وتاريخها” بحلوها ومرها.