خبراء يتحدثون لـ"أخبار الأردن" عمَّا دارت حوله زيارة أنقرة
قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن مشاركة رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، في زيارة رسمية إلى تركيا رفقة وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، تأتي في توقيت دقيق يعكس أهمية استثنائية، خاصة في ضوء التحولات العميقة التي تشهدها سوريا والمنطقة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن وتركيا، تمثلان بحكم الجغرافيا المتشابكة والدور الإقليمي المؤثر، أكثر الدول ارتباطًا بمستقبل سوريا الجديدة، بخلاف العراق ولبنان، إذ تتشارك أنقرة وعمان هدفًا مشتركًا يتمثل في ضمان وجود نظام سوري مستقر قادر على تأمين حدوده، بعيدًا عن أن يكون مصدر تهديد لجيرانه أو بؤرة للصراعات الإقليمية.
ورغم الطابع الأمني والعسكري الذي طغى على أجندة الزيارة، إلا أن أبعادها الأعمق تعكس قراءة استراتيجية أردنية للتغيرات في سوريا، فبدلًا من الاكتفاء بإبداء المخاوف، يتحرك الأردن ضمن إطار مقاربة بنّاءة تسعى إلى البناء على الإيجابيات وتعزيز فرص التعاون مع تركيا، بما يخدم المصالح المشتركة ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وبيّن الرداد أن المؤتمر الصحافي المشترك بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره التركي هاكان فيدان ألقى الضوء على مستوى التفاهم العميق بين البلدين تجاه مستقبل سوريا، فقد أبرز المؤتمر توافقات استراتيجية تشمل التصدي للهواجس الأمنية المشتركة، بما في ذلك ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب، مع التأكيد على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه كلا البلدين في إعادة إعمار سوريا، وهذا التعاون المتوقع لا يقتصر على الجوانب الإنسانية والتنموية، بل يشمل صياغة رؤية شاملة لاستقرار سوريا ضمن نظام إقليمي جديد يقوم على التوازن والتعاون بعيداً عن سياسات المحاور.
وأشار إلى أن هذه الزيارة، بما تحمله من دلالات ورسائل سياسية، تؤكد أن الأردن وتركيا لا يسعيان فقط إلى حماية حدودهما ومصالحهما الوطنية، بقدر ما يعملان على وضع أسس شراكة استراتيجية طويلة الأمد تسهم في تحقيق استقرار سوريا ودمجها في محيطها العربي والإقليمي، بما ينعكس إيجاباً على مستقبل المنطقة برمتها.
بدوره، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات إن المنطقة تشهد تطورات أمنية وسياسية متسارعة، لا سيما في سوريا، حيث طرأت تغييرات جذرية على ملامح المشهد الراهن، فبعد فترة من استقرار هش تحت حكم نظام الأسد، وسيطرة محدودة للمعارضة في إدلب والشمال السوري، بالإضافة إلى هيمنة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على شرق البلاد، برزت مستجدات غيرت قواعد اللعبة الإقليمية، وهذه التحولات، ذات الطبيعة المركّبة، لها انعكاسات مباشرة على الأردن، ما يستدعي قراءة معمقة وموقفًا استراتيجيًا متوازنًا.
وذكر أن الإرهاب، الذي شكل لعقود تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي، تراجع نسبيًا على الساحة السورية، لكنه لم يُستأصل تمامًا، ومع إعادة تشكّل التحالفات الإقليمية وتصاعد عمليات تحرير المناطق بطرق مبتكرة، يظهر أن التنظيمات الإرهابية تمتلك قدرات تنظيمية متطورة قد تعيد إحياء خطرها في المستقبل، والأردن، الذي طالما اعتبر مكافحة الإرهاب أولوية، يواجه تحديًا مزدوجًا في حماية حدوده من تسلل العناصر الإرهابية وضمان عدم عودة سوريا لتكون نقطة انطلاق لهجمات محتملة.
وفي ظل فوضى المشهد السوري، أصبحت تجارة المخدرات تهديدًا لا يقل خطورة عن الإرهاب، فالحدود الأردنية الشمالية باتت إحدى الجبهات الأكثر عرضة لهذا التحدي، حيث تزايدت محاولات التهريب بطرق مبتكرة تستدعي تطوير آليات الرقابة والتعاون الأمني مع الأطراف الدولية والإقليمية ذات الصلة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه شنيكات إلى أن القضية الفلسطينية تمثل بُعدًا أساسيًا في السياسة الأردنية، ولا سيما في ضوء التغيرات المتسارعة التي أعقبت "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، مضيفًا أن الحرب المستمرة وتصاعد العنف جعلتا من الأفق السياسي لحل الدولتين أكثر تعقيدًا، وإسرائيل، عبر سياسات استيطانية ممنهجة، تسعى لإعادة تشكيل الخارطة الجغرافية والديمغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يشمل محاولات القضاء على الخط الأخضر ودمج أراضي 1948 مع الضفة الغربية، في خطوة تهدف إلى إجهاض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وأشار إلى أن الأردن يدرك خطورة هذه التحركات ويعمل بفعالية على الساحة الدولية لتعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، وضمان بقاء حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ضمن أولويات المجتمع الدولي.
وأكد شنيكات أهمية العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا، فهي تمر بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة ترتيب الأولويات، والتنسيق في المواقف الدولية بات أمرًا ضروريًا لمواجهة التحديات المشتركة، بدءًا من الأزمة السورية ووصولًا إلى القضية الفلسطينية، وهذا ما يسعى الأردن إليه، من خلال توحيد المواقف مع الدول الفاعلة على الساحتين العربية والدولية، خاصة في ظل الحاجة إلى قرارات جماعية أكثر تأثيرًا، سواء في الأمم المتحدة أو القمم العربية والإسلامية.
من جانبه، قال الخبير الأمني والاستراتيجيّ الدكتور بشير الدعجه إن الزيارة تحمل مؤشرات ترتكز بشكل رئيس على ملفات أمنية وعسكرية ترتبط بالتنسيق الميداني في المناطق الحدودية مع سوريا، والتعاون لمواجهة خطر تنظيم داعش، والجماعات الإرهابية الأخرى التي قد تستغل الانفلات الأمني في المنطقة، فضلًا عن مراقبة التحركات العسكرية والميليشيات المدعومة من إيران في جنوب سوريا.
وبيّن في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التغيرات السياسية المتسارعة في سوريا تفرض ضرورة إعادة تشكيل المنظومة العسكرية والأمنية لضمان استقرار ما بعد نظام بشار الأسد، فالأردن، كدولة حدودية، مؤهل للعب دور حيوي في هذا الملف استنادًا إلى كفاءته الأمنية العالية التي اكتسبها من خبرته في مكافحة الإرهاب والفصائل المسلحة.
كما يحظى الأردن بثقة المجتمع الدولي كطرف لا يحمل أجندات متحيزة مقارنة بدول أخرى، وهذه الثقة تؤهله ليكون شريكًا إقليميًا ودوليًا فاعلًا في بناء جيش سوري جديد ومنظومة أمنية بعيدة عن الانقسامات الطائفية.
تركيا، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في الشمال السوري وداعمًا لبعض الفصائل المعارضة، تمتلك نفوذًا كبيرًا على تلك القوى، ومن المرجح أن تشمل المباحثات الأردنية التركية دراسة إمكانية دمج الفصائل المعارضة المعتدلة في الجيش السوري الجديد، مع التأكيد على ضرورة عدم تحول هذه القوات إلى أدوات تخدم مصالح إقليمية ضيقة.
إضعاف النفوذ الإيراني في جنوب سوريا
وأشار الدعجه إلى أن المساعي الأردنية تهدف لتقليص النفوذ الإيراني في جنوب سوريا أحد الدوافع الرئيسية لهذه الزيارة، إذ تعمل عمان بالتنسيق مع أنقرة لاحتواء التمدد الإيراني عبر إضعاف الميليشيات التابعة لها في المنطقة واستبدالها بقوات سورية مدعومة دوليًا وإقليميًا.
وذكر الدعجه أن تركيا تسعى إلى إدماج هيئة تحرير الشام في المشهد السياسي والعسكري السوري الجديد، إلا أن الأردن يبدي حذرًا كبيرًا من هذا التوجه، خشية أن تتحول الهيئة إلى عامل عدم استقرار على حدوده الشمالية، ذلك أن الأردن يعمل على التأكد من بقاء نفوذ الهيئة محصورًا في مناطق الشمال، بعيدًا عن الحدود الأردنية.
واستطرد قائلًا إن الزيارة تحمل أيضًا أبعادًا تتعلق بتعزيز التعاون العسكري بين الأردن وتركيا، ويبدو أن عمان تسعى إلى تنسيق أمني مشترك مع أنقرة لحماية الحدود من عمليات التسلل أو تهريب الأسلحة والمخدرات، كما يتوقع أن تشمل المناقشات تعزيز استخدام تقنيات المراقبة الحديثة وتبادل المعلومات الاستخباراتية لتعقب التنظيمات المتطرفة، خصوصًا تلك التي تنشط في المناطق القريبة من الحدود الأردنية.
القضية الفلسطينية في سياق الزيارة
على الرغم من أن القضية الفلسطينية وردت في البيان الرسمي للزيارة، إلا أن المعطيات تشير إلى أن التركيز الأكبر سيكون على الملفات السورية، مع ذلك، يظل الأردن وتركيا متفقين على دعم الحقوق الفلسطينية، وقد يبحث الجانبان عن سبل مشتركة للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي من أجل تخفيف التصعيد في غزة.
وتابع الدعجه أن الزيارة ترسل رسائل سياسية متعددة، أولًا، تؤكد استقلالية القرار الأردني ورغبته في لعب دور فاعل ومؤثر في القضايا الإقليمية بدلًا من الاقتصار على دور المتلقي. ثانيًا، تسلط الضوء على مساعٍ لتعزيز الشراكة الأردنية التركية في مواجهة التحديات المشتركة، وهذه الخطوة قد تمهد الطريق لتشكيل تحالف إقليمي جديد يركز على استعادة الاستقرار في المنطقة.