موضوع ونص خطبة الجمعة المقبلة في الأردن
أرسلت وزارة الأوقاف، لخطباء المساجد، موضوع خطبة الجمعة لهذا الأسبوع، والتي تحمل عنوان: "الحلال بيّن والحرام بيّن".
وزودت الوزارة الخطباء بمجموعة من المحاور المقترحة لتناولها في الخطبة، وذلك بهدف توحيد الرسالة الدينية.
وتاليا نص التعميم:
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة الجمعة الموافق 13-12-2024م .
(الحلال بيّن والحرام بيّن )
.......................................
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله : يقول الله تعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ المائدة: 92، ويقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأنعام: 151.
وطاعة الله ورسوله تكون باتِّباع ما أحلّه الله واجتناب كلِّ ما نهى الله ورسوله عنه. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"، رواه البخاري ومسلم.
فالحلال ما أحله الله تعالى من المأكل والمشرب والملبس، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الحلال والحرام، ومن رحمة الله تعالى أن الحلال كثير. وما أحلّه اللهُ لنا واسعٌ متنوّعٌ. وأن الأصل في الأشياء الإباحة. والحرام هو ما حرّمه الله تعالى وهو ما نهى الله عنه صراحة، كالكذب، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل.
فيجب على كل مسلم أن يتفقه في أمور دينه حتى يعرف الحلال الواضح فيقبل عليه. ويعلم الحرام الواضح فيتجنبه. وهناك أمور مشتبهة لا يعلم أحلال هي أم حرام، وهذه أيضاً يجب أن تعرض على أحكام الشريعة ويسأل عنها الفقهاء والعلماء، يقول الله تعالى:﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل: 43.فما عرفت أنه حلال اعمل به، وما عرفت أنه حرام تجنبه، وما بقي في دائرة الشبهة أو لم يعلم حكمه بعد فيجب عليك تجنبه كما تتجنب الحرام. حفاظاً على دينك وخشيةً من الوقوع في الحرام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ». وكما قال صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» سنن الترمذي. وكما أنه لا يجوز أن تنتهك حرمات الله تعالى، كذلك لا تحُم حولها بارتكاب الشبهات التي لم تتأكد من حِلها وإباحتها، وهذا هو الورع المطلوب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كن ورعاً، تكن أعبد الناس، وكن قَنِعاً، تكن أشكر الناس» سنن الترمذي. وقال عمر رضي الله عنه: "تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا".
واعلموا أن المحرمات على أقسام:
القسم الأول: شيء محرم في عينه، وذلك كأكل الميتة والدم والخمر ولحم الخنزير، وما لا يحل أكله من الطير والحيوانات والحشرات، وهذا القسم لا يحل منه قليل ولا كثير بوجه من الوجوه إلا عند الاضطرار، وهو أن يشرف الإنسان على الهلاك ثم لا يجد غيره، يقول الله تعالى:﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النحل: 114-115.
القسم الثاني: أن يأكل أموال الناس بالباطل، يقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ النساء: 29.
قال القرطبي:"والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه"، وعليه فإن من اعتدى على أموال الناس بالباطل وأكلها بغير وجه حق، فقد أكل مالاً حراماً، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به» سنن الترمذي.
ومن الأمثلة على أكل أموال الناس بالباطل، أكل أموال اليتامى ظلماً فإن عاقبتها شديدة عند الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ النساء:10، وكذلك أكل أموال بعض الوارثين ظلماً وعدواناً كحرمان البنات من حقهم في الميراث.
القسم الثالث: أن يتعامل المسلم بالربا أخذاً أو إعطاءً يقول الله تعالى:﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ البقرة: 275، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء» صحيح مسلم.
فمن عرف الحلال والحرام وما بينهما من المشتبهات وعمل بمقتضاها فقد سلم قلبه وصلح أمره، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» أخرجه البخاري.
اللهم إنا نتوجه إليك في غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة وفلسطين. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والأذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ سورة آل عمران:102. واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الاحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس. واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر". وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الكرب وهو: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل )،لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173،174.
سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد ، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين