الأردنيون والشتاء... قصة تستحق أن تلتفت الحكومة إليها

 

يدخل الأردنيون موسم الشتاء هذا العام مثقلين بأعباء أزمات متراكمة، تفاقمت حدّتها مع تعاظم الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وفقًا لما قاله الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، مضيفًا في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الأزمة المركّبة تتجلى بوضوح في آثار التضخم السنوي المتزايد، الذي أرهق كاهل المواطنين بفعل ارتفاع الضرائب غير المباشرة على المنتجات النفطية والمواد الغذائية، وخصوصًا ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة.

الضرائب وسلبها السياسات المالية القدرة الشرائية للفئات الضعيفة

وأوضح أن هذه الضرائب قد أفضت إلى استنزاف مداخيل الطبقات العاملة والموظفين، لتصبح عبئًا يقتطع مباشرة من قوت الأسر ذات الدخل المحدود، ويهوي بقدرتهم الشرائية إلى أدنى مستوياتها، مما أدى إلى تقليص الموارد المخصصة للغذاء والنفقات الأساسية.

ونوّه على أن هذه السياسات الاقتصادية، التي اعتمدت تحرير الأسواق المالية والتجارية دون رقابة فاعلة، وإلغاء الدعم عن السلع الأساسية، وانتهاج حرية مطلقة لرأس المال دون ضوابط، عمّقت الأزمة وضيّقت الخيارات أمام المواطنين، وقد باتت المعادلة الاقتصادية مختلة، إذ انحسرت الحماية الاجتماعية وانهارت آليات التوازن التي يفترض أن تضمن الحد الأدنى من الاستقرار للفئات الأكثر ضعفًا.

ارتفاع الأسعار على حساب المواطن

وأكد بروز غياب الدور المؤثر لمنظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها النقابات العمالية، والتي كان من شأنها أن تشكّل صمام أمان اقتصادي واجتماعي، إذ تعرّضت هذه النقابات إلى تقييد ممنهج، حُرمت معه من ممارسة دورها الطبيعي في حماية حقوق العمال وتحسين ظروفهم المعيشية، من خلال ربط الأجور بمعدلات التضخم، والعمل على رفع المستوى الاجتماعي للطبقة العاملة.

هل نجح الاقتصاد الأردني في تجاوز الأزمات أم أنه يسير نحو مزيد من التعقيد؟

واستطرد قائلًا إن انسداد الأفق الاقتصادي والاجتماعي في ظل هذه الظروف يتطلب وقفة جادة لمراجعة السياسات الراهنة وإعادة ضبط أولوياتها، مضيفًا انه يجب أن تستند هذه المراجعة إلى نهج شامل يحقق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحماية الطبقات الأكثر هشاشة، مع تعزيز دور المؤسسات المدنية والنقابية كحجر زاوية لضمان العدالة الاجتماعية والاستقرار الوطني.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي محمد البشير إن الحديث هنا لا ينحصر في التفاؤل أو التشاؤم، بل في التساؤل العميق حول قدرة الحكومة الحالية على إدارة أدوات السياسة المالية بفعالية تُمكنها من استثمار الإمكانات الحقيقية للأردن، فهل يمكن لهذه الإدارة أن تُحول الثروات والفرص الكامنة إلى حلول جذرية لمعالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الوطني؟  

الصناعة والزراعة في الأردن: كنوز مهملة أم أركان للنهوض الاقتصادي؟

وأكد امتلاك الأردن لموارد وفرص واعدة لتعظيم قطاعات أساسية كالصناعة والزراعة، خصوصًا بعد التغيرات التي أفرزتها الحرب العدوانية على غزة، مضيفًا أن هذا الصراع، بما حمله من تداعيات، أثّر في سلوك المستهلك الأردني، إذ تزايدت الرغبة في دعم السلع المحلية والعربية بديلًا عن السلع الأجنبية، وهذه الظاهرة، رغم محدوديتها، قدّمت فرصة لتعزيز الصناعة الوطنية، إلا أن استغلالها يتطلب سياسات اقتصادية وإدارية مُحكمة ترفع من تنافسية المنتج الأردني في الأسواق.

سياسات الضرائب والانكماش: بين استنزاف المواطن وضياع التنافسية الوطنية

لكن الواقع الحالي يشير إلى عقبات كبيرة تُعيق هذا التوجه، فالسياسات المالية القائمة، المتمثلة بفرض ضرائب غير مباشرة على السلع والمواطنين، أدت إلى رفع تكاليف الإنتاج المحلي، ما جعل السلع الأردنية أقل تنافسية مقارنة بالمستوردة ذات الأسعار الأرخص، وهذه المشكلة أكثر من مجرد أزمة أسعار، لتمتد حتى تكون أزمة هيكلية تعكس غياب رؤية إصلاحية حقيقية، ودون مراجعة شاملة لهذه السياسات، ستظل السوق المحلية خاضعة لتأثيرات نخبة صغيرة مستفيدة، بينما تُهدر إمكانيات الفئات الأوسع من الشعب، وفقًا لما صرّح به البشير لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية.


وذكر أن الأزمة تتجاوز تأثيرها على الإنتاج الوطني لتطال قدرة الموازنة العامة على تمويل القطاعات الحيوية، فالإنفاق العام يعاني من ضغط هائل يُضعف الاستثمار في قطاعات أساسية مثل التعليم، الصحة، والنقل العام، ورغم الإعلان عن زيادة الدعم المباشر للطلبة الجامعيين وللإعانات النقدية الموجهة للأسر المحتاجة، فإن هذه التدابير تبقى حلولًا إسعافية لا تُحدث تغييرًا في المؤشرات الاقتصادية السلبية التي ما زالت تسيطر على المشهد.

أما السياسة النقدية، فتُبرز فجوة واضحة بين الإمكانات المتاحة والأداء المطلوب، والبنوك الأردنية تُدير ثروة وطنية هائلة مودعة لديها، لكن دور البنك المركزي في ضبط هذه الموارد ما زال محدودًا، داعيًا إلى ضرورة أن يكون هناك تدخل جاد لتقليص الفجوة بين أسعار الفائدة المدينة والدائنة، ما يحفز على توجيه المدخرات نحو الاستثمار الحقيقي بدلًا من الاقتصار على تحقيق عوائد للمساهمين.

الضرائب: الجرح الأكثر إيلامًا في الجسد الاقتصادي

وفي خضم هذه التحديات، بيّن البشير أن ملف الضرائب يظل هو الجرح الأكثر إيلامًا في الجسد الاقتصادي الأردني، ونظام الضرائب الحالي يعاني من غياب العدالة، حيث يقع العبء الأكبر على المواطنين والقطاع الإنتاجي، بدلاً من أن يكون أداة لتحفيز الاستثمار وتعزيز النمو. مراجعة هذا الملف لا تعني فقط خفض الضرائب، بل إعادة هيكلة النظام بأكمله بما يحقق التوازن بين الإيرادات الحكومية والعدالة الاجتماعية.

تحويلات العاملين في الخارج: إمكانات ضائعة أم فرصة لبناء اقتصاد مُنتج؟

وأشار إلى أن الفرص الحقيقية تكمن في إعادة توجيه السياسة الاقتصادية نحو القطاعات المنتجة مثل الصناعة والزراعة والخدمات، خاصة السياحية منها، التي شهدت تراجعًا كبيرًا مؤخرًا، كما أن تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج يمكن أن تُصبح ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد إذا أُحسن توجيهها نحو مشاريع تنموية مُنتجة بدلاً من الأنشطة غير المجدية.

واستطرد البشير قائلًا إن المسألة لا تتعلق بخفض أسعار النفط أو الفوائد فقط، بل بتوافر إرادة سياسية حقيقية لمعالجة جذور الأزمة، والمطلوب هو رؤية شمولية تُعيد التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية ومصالح المواطنين، وتضمن استغلال الثروات الوطنية بما يحقق العدالة الاجتماعية ويُطلق طاقات الاقتصاد نحو النمو المستدام، وهذا هو التحدي الذي يجب أن تواجهه الحكومة بعيدًا عن الحلول الجزئية أو المؤقتة.