ترامب صالح أم طالح في نظر إسرائيل؟
مع تداول الأنباء عن احتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، سارع قادة اليمين الإسرائيلي إلى التعبير عن فرحتهم، معتبرين أن هذا الفوز يشكل انتصارًا كبيرًا لهم. وظهرت أصوات في إسرائيل تربط بين سياسة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإدارته للحرب الأخيرة كأحد العوامل التي عززت من فرص ترامب على الساحة الأمريكية. ورأى البعض أن نتنياهو نجح في إحباط جهود إدارة الرئيس جو بايدن لتحقيق أي اختراق سياسي في المنطقة، رغم كل ما قدمته إدارة بايدن من دعم استراتيجي لإسرائيل على المستويين العسكري والدبلوماسي.
التعيينات في إدارة ترامب: أمل لليمين الإسرائيلي
عقب إعلان ترامب عن عدد من التعيينات البارزة في فريقه، والتي شملت شخصيات معروفة بدعمها القوي لإسرائيل، مثل ماركو روبيو وزيرًا للخارجية ومايكل فالتز مستشارًا للأمن القومي، بدأت تظهر توقعات متفائلة من جانب قادة اليمين الإسرائيلي. هؤلاء القادة أعربوا عن ثقتهم بأن هذه الإدارة ستسهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية، بما في ذلك ضم أجزاء من الضفة الغربية وتكثيف الضغط على إيران ومحور المقاومة.
وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تخف حماسها إزاء هذه التعيينات، حيث أشارت إلى أنها تحمل معها فرصًا غير مسبوقة لتسريع خطوات ضم الأراضي الفلسطينية وتعزيز "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات، خاصة مع وجود دعم من شخصيات أمريكية مؤثرة، مثل عضو الكونغرس مايكل بايتس الذي قد يتولى منصبًا أمنيًا رفيعًا.
قلق داخل إسرائيل من سياسات ترامب المتوقعة
لكن هذا الحماس لم يكن موحدًا داخل الأوساط الإسرائيلية. صحيفة "هآرتس"، المعروفة بميولها الليبرالية، نشرت افتتاحية تعبر فيها عن قلقها من الدعم المفرط الذي قد تقدمه إدارة ترامب المقبلة للمشاريع الاستيطانية، محذرة من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تآكل الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل. واعتبرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية التي تدعم بشكل مطلق ضم الأراضي والمستوطنات قد تسرّع من العد التنازلي نحو تحويل إسرائيل إلى دولة ذات نظام فصل عنصري (أبارتهايد)، إذا لم تُدار الأمور بحكمة.
إدارة بايدن: دعم غير مسبوق لإسرائيل أم سياسة غير مُقدَّرة؟
على الجانب الآخر، ورغم كل الانتقادات التي واجهتها إدارة بايدن داخل إسرائيل، فإنها قدمت دعمًا غير مسبوق لحكومة نتنياهو خلال الحرب الأخيرة. فقد دفعت الولايات المتحدة بحلفائها الدوليين لإظهار دعم غير مشروط لإسرائيل، ووفرت لها غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا على الساحة الدولية. كما أرسلت واشنطن مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل تضمنت إمدادات جوية وبحرية، حتى أن بعض المخازن العسكرية الأمريكية في أوروبا تم تفريغها لصالح إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، بذلت إدارة بايدن جهودًا كبيرة لمنع أي محاولات لإدانة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة التزامها بحماية مصالح إسرائيل الاستراتيجية. ومع ذلك، فشل بايدن في تحقيق انسجام سياسي مع حكومة نتنياهو، التي استغلت هذا الدعم لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.
ترامب بين التأييد والنقد: وجهات نظر متباينة
بالرغم من الترحاب الكبير الذي أبداه قادة اليمين الإسرائيلي تجاه عودة ترامب، فإن هناك أصواتًا إسرائيلية تُبدي قلقها من أسلوب ترامب الإداري. فقد وصفه البعض بأنه شخصية نرجسية وشعبوية تفتقر إلى الاستقرار المؤسسي. واعتبر محللون أن تعيينات ترامب في إدارته الأولى كانت تعتمد على الولاء الشخصي أكثر من الخبرة والكفاءة، مما أدى إلى صراعات داخلية واستقالات متكررة أثرت سلبًا على فاعلية الإدارة.
السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، داني أيالون، أشار إلى أن "ترامب، رغم دعمه الكبير لإسرائيل، قد لا يحقق توقعات اليمين الإسرائيلي بشأن ضم الأراضي الفلسطينية". وأكد أن السعودية، التي تلعب دورًا رئيسيًا في المنطقة، قد تعارض بشدة هذه الخطوة، مما يجعلها مستبعدة في المستقبل القريب.
مخاوف من تداعيات سياسات ترامب الجديدة
يشير الخبراء إلى أن ترامب قد يتخذ مواقف أكثر تشددًا هذه المرة، خصوصًا أنه لن يكون مقيدًا بمخاوف انتخابية كما في ولايته الأولى. ومع ذلك، فإن نرجسيته المعروفة وتفضيله التدخل الشخصي في القرارات السياسية قد يضع الإدارة المقبلة في مواجهة تحديات داخلية وخارجية، مما قد ينعكس سلبًا على إسرائيل إذا لم يتم إدارة العلاقة بحذر.
الخلاصة
بينما يُنظر إلى عودة ترامب كفرصة تاريخية لقادة اليمين الإسرائيلي لتعزيز مصالحهم الاستراتيجية، فإن هناك مخاوف جدية من التداعيات طويلة الأمد لسياساته، سواء على طبيعة الدولة الإسرائيلية أو على استقرار المنطقة. وفي المقابل، فإن إدارة بايدن، رغم كل الانتقادات، قدمت دعمًا ملموسًا لإسرائيل، لكنها لم تتمكن من بناء علاقة متناغمة مع حكومة نتنياهو، مما يعكس التحديات المعقدة التي تواجه العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في المستقبل.