م . مهند عباس حدادين : هل اقتصادنا جاهز للمرحلة المقبلة؟

  م . مهند عباس حدادين

إن الظروف الصعبة التي يعيشها العالم اليوم والتحديات البيئية والمناخية والاقتصادية والديمغرافية والجيوسياسية والتقدم التكنولوجي والدخول السريع للثورة الصناعية الخامسة غيرت من قواعد التفكير الاستراتيجي لدول العالم وأصبح قادتها يعملون على جزئيات ذات دقة عالية من هذه التحديات لصنع الفارق.

ومن لا يعي ماذا يدور حولنا من هذه التحديات لن يلحق بما فكر فيه غيره وسبقه وهذا سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات.

فسأقرع ناقوس الخطر في هذه المقالة لعل هناك من يسمع.

لقد خططت الولايات المتحدة منذ عقود سابقة لتحقيق ازدهار وتقدم لها على كافة المستويات من خلال استقطاب المبدعين والمبتكرين والرياديين وذوي الكفاءات من جميع أقطار العالم للعمل فيها من خلال تهيئة المناخ المناسب لهم والدعم المادي للعمل داخل مراكز الأبحاث والجامعات والشركات التكنولوجية والصناعية من خلال منطقة السيليكون فالي وغيرها وهناك من تبوأ مناصب حكومية وللأسف كان هناك نسبة من العقول العربية المهاجرة قرابة 5% شاركت بذلك، كانوا جميعا القيمة المضافة لما يتماهى مع الخطط والتفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة، فحق?ت النتائج المرجوة ولما سيخدم اقتصادها في الفترة القادمة، حيث ساهم الرياديون والمبتكرون بـ50% من دعم الاقتصاد الأميركي، وأنفقت الولايات المتحدة في العام الماضي 154 مليار دولار على البحث العلمي والإبتكار، في حين أنفق العالم العربي مليار دولار فقط لهذه الغاية.

فما ينتظر العالم في المستقبل القريب من التطبيقات التكنولوجية الحديثة من الذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع المعزز والواقع الافتراضي وانترنت الأشياء والبلوك شين والسحابة الحسابية وغيرها والمنصات المختلفة التجارية والثقافية والاجتماعية سنصبح مستهلكين ومستخدمين لها جميعها كما استهلكنا الصناعات الغربية من خلال الثورة الصناعية الثانية والثالثة والرابعة.

بعد استحواذ الولايات المتحدة على جميع مفاصل التكنولوجيا الحديثة والتي ستقوم ببيع هذا الخدمات لنا وسنبقى مستهلكين ندفع جزء كبيرا من أموالنا للحصول على هذه الخدمات والتي أصبحنا لا نستغني عنها، وسأقوم بتوضيح ذلك، وسأسوق أربعة أمثلة عليها:

أولا: نظام التتبع العالمي, والذي دفعت عليه الولايات المتحدة مليارات الدولارات من خلال إطلاق الأقمار الاصطناعية وبناء محطات الاستقبال والارسال الأرضية وتزويدها بالأجهزة والخوادم المختلفة والكلف التشغيلية، ستصبح في القريب العاجل مدفوعة الثمن، فلن تطير اي طائرة دون دفع إشتراك الحصول على هذه الخدمة في كل رحلة، ولن يستطيع اي مسافر أن يقود سيارته للتنقل داخل المدن والدول دون الاشتراك في هذه الخدمة مدفوعة الثمن.

ثانيا: عند شرائك سيارة من الغرب سيصبح تشغيل سيارتك والتحرك فيها مدفوع الثمن، حيث سيتم ربط كمبيوتر السيارة بخوادم تعطي كود الحركة للسماح بتشغيل الماتور للبدء في الحركة، فلا يمنع إعطاء اي مستخدم عند شراء السيارة الجديدة على سبيل المثال 1000 عملية تشغيل مجانية او استخدام لمدة 5 سنوات وبعدها ستصبح مدفوعة الثمن، وتخيل أن تدفع بعدها دولارا واحدا على كل حركة لسيارتك, وليس هذا فحسب ستكون السيارات في المستقبل القريب كهربائية تعمل ببطارية مدى الحياة، فكيف ستؤمن الحكومة وقتها مبلغ قرابة مليار دولار ضريبة على الوقود م? بنزين وديزل؟

ثالثا: جميع المنصات الاجتماعية والثقافية والعلمية ستصبح مدفوعة الثمن ولن يبقى اي اتصال مرئي أو صوتي او بيانات في المجان.

رابعا: الحصول على معلومات الطقس مهما كانت بياناتها ستصبح مدفوعة الثمن.

لذلك اذا لم نصبح شعوبا منتجة غير مستهلكة سيلعننا التاريخ. ولمحاولة تصحيح مسارنا يجب على جميع العالم العربي بشكل عام السير معا بخطى صحيحة تصب في هذه المسارات وفي بلدي الأردن بشكل خاص، وسأذكر بعضا منها:

1. توطين الصناعات مهما كانت لدفع عجلة الصناعة.

2. تهيئة الظروف لعودة العقول المهاجرة للأوطان.

3. دعم البحث العلمي والريادة والابتكار في المراحل التعليمية الأساسية والجامعية وكذلك في الشركات والمصانع وفي القطاعين العام والخاص على حد سواء.

4. التغيير الجذري في المناهج التعليمية في المدارس والمعاهد ومراكز التدريب المهني والجامعات.

5. التحول المهني والتكنولوجي في كل مرحلة تعليمية لاكتشاف المواهب والرياديين، واقلها أن يتجه الطالب نحو ميوله وليس نحو تحصيله ليتمكن من الإبداع والتطوير في سوق العمل أو في الاتجاه الأكاديمي.

6. توفير أدوات البحث والتطوير والإبداع من مختبرات ومراكز ريادية يتم البناء عليها وتطوير حاضنات لها.

7. توجيه وتحفيز الإستثمار في التكنولوجيا والصناعة والزراعة والطاقة، وليس استثمار خدمات، وعمل صندوق استثماري سيادي وطني للمشاركة في المشاريع الاستثمارية اذا لزم بالتمويل الجزئي.

8. تقنين مستوردات الكماليات والتي ندفع عليها العملات الصعبة ووضع قيود على المستوردات التي لها تصنيع محلي، ودعم الصناعة والمنتج المحلي وفتح أسواق عالمية جديدة بعد ضبط الجودة والمعايير الدولية للمنتج المحلي.

9. التفكير الجاد باستقلالية وديمومة واستدامة مصادر الماء والكهرباء والغذاء والاعتماد على مصادرنا الخاصة للحصول عليها بعد تطويرها او تصنيعها أو إكتشافها.

10. إصلاحات حقيقية ورشيقة في القطاع العام لما يتناسب مع التغيرات العصرية في التقدم التكنولوجي من حيث التركيز على الاقتصاد لينضوي تحته خمس وزارات (الاقتصاد الرقمي والريادة، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الاستثمار، وزارة التخطيط ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية) وكذلك دمج الوزارات التي ستؤدي إلى تحقيق الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية وقلة مصادر المياه تحت مسمى وزارة الأمن الغذائي والتغير المناخي (وزارة الزراعة، وزارة البيئة، وزارة المياه ووزارة الطاقة) وكذلك عمل وزارة البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، ودمج ?زارتي التربية والتعليم مع العمل لتتواءم مخرجات العملية التعليمية في ادماج الخريجين في قطاع العمل حسب متطلبات السوق المتغيرة، هذا الدمج لجميع الوزارات لتسهيل التنسيق الكامل بين الكوادر الفنية والإدارية في كل اختصاص لتعظيم العمل المشترك لتحقيق النتائج المرجوة وإعادة ثقة المواطن في الحكومات والتي فقدت لضعف الأداء وعدم المكاشفة الحقيقية في القرارات وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومحاربة الكفاءات حيث لا زالت الواسطة والمحسوبية والشللية هي السائدة.

11. إعطاء دور للقطاع الخاص في المرحلة القادمة وتسهيل عمله من خلال تشريعات جديدة وصلاحيات واسعة، والانفتاح على الخبراء والاقتصاديين وذوي الخبرات من القطاع الخاص.

12. استقدام الكفاءات وذوي الخبرات من وزراء ومسؤولين، لأنه في العالم العربي إذا امتلك المسؤول الفكر الإبداعي والابتكاري يستطيع التأثير والتغيير في أي وزارة أو مؤسسة يديرها. نريد تفكيراً خارج الصندوق لا نريد رتابة وأداء تسيير أعمال ولا نريد اي حل من الحلول المالية على حساب جيب المواطن.

13. عمل قاعدة بيانات محوسبة في كل التخصصات التعليمية والصحية والزراعية والتجارية والصناعية والسياحية والخدماتية... حصيلة للأداء اليومي تحتوي على الأرقام والتفاصيل ليتم اللجوء إليها باتخاذ القرارات وتبيان الاخفاقات والنجاحات على مدار فترات زمنية قصيرة ومتوسطة المدى، وألا يتم التركيز على جزئيات النجاح دون مقارنته بالمتغيرات السابقة او بشمولية الأداء، ولتمكين الذكاء الاصطناعي في القريب العاجل من الاستفادة من هذه البيانات في وضع الحلول وحل المشاكل.

14. عدم تدوير المسؤولين في مراكز قيادية لأن العالم اليوم اصبح أكثر دقة في كل تخصص لنجاح اي عمل في القطاع العام.

15. تأهيل المسؤولين التأهيل المناسب بما يتماشى مع التغيرات العالمية وأهمها التكنولوجية.

16. الانفتاح على العالم العربي والتكامل الاقتصادي والتعليمي والتكنولوجي وعمل مؤسسة وصندوق للريادة والابتكار العربي.

في النهاية يجب اختيار المسؤولين بعناية فائقة لتبوؤ المراكز، وإذا كان هناك خلل في عملية الاختيار يجب اتباع طرق عملية ودقيقة آخذين بعين الاعتبار التحديات الجديدة وإعادة النظر في الذين يقدمون الدراسات والاستشارات والنصيحة لصانع القرار لاختيار القيادات التي تصنع المستقبل كما أرادها جلالة الملك ويوجه سمو ولي العهد على الدوام من أجل مستقبل مشرق أكثر طمأنينة يسوده العدل وتكافؤ الفرص، فنحن لا نمتلك ترف الوقت، ويا حبذا لو تم تشكيل لجنة استراتيجية اقتصادية تعمل بوضوح وشفافية لديها خارطة طريق ومراجع أهمها رؤية التحدي? الإقتصادي والسياسي والإداري تشرف على عملية اختيار المسؤولين والقيادات ومراقبة أدائهم ومحاسبة المقصرين منهم، وأن تتبع لصانع القرار الأول حتى نقوم بالترجمة الحقيقية على أرض الواقع لما خططنا له. ــ الراي