جواسيس أم اختراق تكنولوجي.. كيف قتلت إسرائيل نصرالله؟

 

أضاف حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، اسمه إلى قائمة طويلة من قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني الذين تمكنت إسرائيل من اغتيالهم في عمليات دقيقة خلال الأسابيع الأخيرة. هذه العمليات، التي وُصفت بالنوعية وغير المسبوقة، أثارت العديد من التساؤلات حول الأسباب التي مكنت إسرائيل من تحقيق هذه الضربات السريعة والناجحة. التساؤلات تناولت كيف استطاعت إسرائيل الكشف عن أماكن تواجد هذه القيادات، وما الذي أدى إلى الانهيار السريع لمنظومات القيادة التي تعتمد عليها هذه التنظيمات.

بعد تنفيذ هذه الضربات، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خطابًا أكد فيه أن "المهمة لم تنته بعد"، وأشار إلى أن الأيام القادمة ستكون مليئة بالتحديات. في الوقت نفسه، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن "كل الوسائل مطروحة على الطاولة" في العمليات ضد هذه التنظيمات، وأكد أن إسرائيل تمتلك العديد من الوسائل التي لم تستخدم بعد.

في المقابل، انتقد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، القيادة الإسرائيلية، واتهمها بـ"قصر النظر" واتباع "سياسة حمقاء"، معتبرًا أن إسرائيل أضعف من أن تلحق ضررًا جوهريًا بحزب الله. لكن التصريحات الإيرانية لم تخفف من وقع العمليات الإسرائيلية، التي أظهرت قدرات تكنولوجية متطورة ساهمت في إنجاح العمليات.

التفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل

العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل"، قال لموقع "الحرة" إن قدرات إسرائيل التقنية والتكنولوجية في مجال التجسس تعتبر أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في إنجاح هذه العمليات. إسرائيل، بحسب شحادة، تتحكم بالأقمار الصناعية وتستخدم تقنيات سرية عالية لجمع المعلومات.

إضافة إلى ذلك، يشير شحادة إلى وجود تعاون أمني واستخباراتي كبير بين إسرائيل ودول العالم، وهو تعاون كان له دور بارز منذ عام 2005، عندما شاركت جهات خارجية في التحقيق بحادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري. هذا التعاون ساهم في جمع كميات هائلة من المعلومات حول أنظمة الاتصالات، الجامعات، المصارف، وحتى المستشفيات، وتم تسريب هذه المعلومات إلى إسرائيل بطرق غير معلومة.

مشاركة حزب الله في القتال في سوريا

منذ عام 2011، شارك العديد من عناصر حزب الله في القتال بسوريا، وهو ما أدى إلى تعرضهم للكشف بسبب استخدامهم أنظمة اتصال تقليدية قابلة للرصد مثل الهواتف الذكية، الراديو، واللاسلكي. هذه الأنظمة سهلت عملية رصد تحركاتهم بالنسبة لإسرائيل، التي استطاعت الحصول على معلومات مهمة حول نشاطات الحزب وقياداته خلال تلك الفترة. واعتبر شحادة أن من يملك القدرة على الوصول لأجهزة مثل "البيجر" واللاسلكي والتي نجم عن تفجيرها مقتل عشرات الأشخاص، يمكنه بالتأكيد القيام بعمليات أكبر وأعقد.

اختراق داخلي لحزب الله ودعم خارجي لإسرائيل

تفوّق إسرائيل العسكري والتكنولوجي لم يكن السبب الوحيد وراء نجاح العمليات، بل إن حزب الله تعرض لخرق أمني داخلي، وهو ما ساعد إسرائيل في تحديد مواقع قيادات الحزب واستهدافها بدقة عالية. شحادة أشار إلى أن هذا الخرق الداخلي تضافر مع التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها إسرائيل، ما جعلها تنجح في استهداف نصرالله وغيره من القيادات. ويضيف أن إسرائيل استفادت من معلومات استخبارية قدمتها دول غربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، رغم أن الولايات المتحدة نفت مرارًا أي دور لها في العملية.

اللجوء إلى وسائل تقليدية لمواجهة التجسس الإسرائيلي

العمليات الإسرائيلية الأخيرة كشفت عن ضعف القدرات التكنولوجية لدى حزب الله وحلفائه في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. في ظل هذه التهديدات، لجأ حزب الله إلى استخدام وسائل اتصال قديمة وتقليدية مثل الرسائل الورقية والاتصالات الشفهية بدلًا من الهواتف الذكية أو الخلوية. على سبيل المثال، الرسائل التي تصل إلى قيادات مثل يحيى السنوار تأخذ فترة تصل إلى أربعة أيام للوصول، وهي طريقة يصفها بعض المحللين بأنها تذكرنا باستخدام الحمام الزاجل في الماضي.

الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في العمليات الإسرائيلية

التكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل كانت العامل الأساسي في إنجاح العمليات الأخيرة. إسرائيل سخرت كل ما تملكه من تقنيات الذكاء الاصطناعي، أجهزة التجسس، والطائرات المسيرة المتطورة لتنفيذ ضرباتها. العميد الركن فادي داوود من لبنان، قال إن العمليات الإسرائيلية ركزت على تصفية القيادات وضرب منظومات القيادة والسيطرة لدى حزب الله. ويضيف داوود أن نصرالله كان يتخذ احتياطات أمنية صارمة، إذ كان يرفض استخدام الهواتف الذكية أو حتى التلفاز خوفًا من التجسس التكنولوجي، وكان يعتمد على شبكة اتصالات خاصة تربط عددًا محدودًا من الأشخاص.

وجود "موساد" داخل حزب الله

رغم هذه الاحتياطات، فإن دقة العملية تشير إلى وجود شخص ما على الأرض ساعد إسرائيل في تحديد موقع نصرالله. العميد الركن داوود أشار إلى أن الغارة التي استهدفت نصرالله لم تكن لتنجح بدون خرق داخلي. ويرى داوود أن حزب الله كان قد أجرى في الماضي تحقيقات مع عدد من عناصره بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات أخرى في التنظيم، مما يعزز من احتمالية وجود عميل للموساد داخل الحزب.

حزب الله والتحديات المستقبلية

المحللون يرون أن مقتل نصرالله لن يؤدي إلى نهاية حزب الله، لكن الحزب سيواجه تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة. اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي من العراق يقول إن مقتل نصرالله لن يعني انهيار الحزب، بل سيستمر الحزب في نشاطه رغم الضربة الكبيرة. حزب الله يمتلك قاعدة شيعية واسعة في لبنان تتميز بولاء كبير للحزب، وهذه الحاضنة الشعبية ستكون أحد عوامل استمراره. القيسي يشير إلى أن الحركات المسلحة مثل حزب الله وحماس يمكن أن تستمر حتى بعد اغتيال قياداتها، لكنها قد تواجه صعوبات مؤقتة.

إعداد طويل لعملية اغتيال نصرالله

مقتل نصرالله كان نتيجة لعملية تحضير استمرت لسنوات، ولم يكن ليحدث بدون خرق أمني داخلي بصفوف حزب الله. المستشار العسكري العراقي صفاء الأعسم أضاف أن هذه العمليات كانت نتيجة لحرب استخبارية واستعداد طويل من جانب إسرائيل، بدعم من جهات خارجية. الأعسم يرى أن القدرات التكنولوجية لحزب الله وحلفائه لا تضاهي القدرات الإسرائيلية المتطورة، والتي مكنت إسرائيل من اختراق صفوف هذه القيادات واستهدافها.

حادثة "البيجر" وانهيار منظومة القيادة

التراخي والإهمال الأمني داخل حزب الله كان له دور كبير في هذا الانهيار السريع. الباحث المصري أحمد سلطان أشار إلى حادثة تفجير أجهزة الاتصال "البيجر" التي كانت تستخدمها عناصر حزب الله كدليل على فشل الجهاز الأمني للحزب في مواجهة التهديدات. ويعتبر سلطان أن هذه الحادثة كانت الشرارة التي أطلقت الحملة الإسرائيلية الواسعة ضد الحزب.

زلزال مقتل نصرالله وتأثيره على محور المقاومة

مقتل نصرالله كان زلزالًا حقيقيًا هز كيان حزب الله والمحور الإيراني المعروف بـ"محور المقاومة". نصرالله كان شخصية محورية في هذا المحور إلى جانب قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وقد أثار مقتله تساؤلات حول مستقبل الحزب. سلطان يرى أن حزب الله سيستمر، لكنه الآن في مرحلة من الارتباك، وقد تزيد شراسته في مواجهة إسرائيل بسبب رغبته في الانتقام.