الرداد يكتب: ما بعد بعد نصرالله

  عمر الرداد
 

يطرح "النجاح" الذي حققته اسرائيل بتصفية السيد"حسن نصرالله" بما يشكله من رمزية داخل حزب الله وبالنسبة لايران وجمهور محور المقاومة بقيادة ايران، تساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية لاتجاهات الحرب في المنطقة، وعنوانها الرئيس فيما اذا كانت ستنتقل لمواجهة مباشرة مع إيران ام ستبقى من خلال الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان بالاضافة الى اليمن؟

إن الحقيقة المؤكدة اننا نقف اليوم أمام حالة من السيولة والانفتاح على سيناريوهات متعددة قاسمها المشترك استمرار التصعيد غير المسبوق في المنطقة، بوجود قيادة يمينية متطرفة في اسرائيل، حيث اصبح مؤكدا ان من يقرر مواصلة التصعيد هو القيادة الاسرائيلية، وليس أطراف محور المقاومة، هذا المحور الذي فيما يبدو أصبح أسيرا لثنائية : تصدير خطاب ثوري تعبوي يتضمن وعيدا وتهديدا بالثأر والرد والإنتقام، دون أن تسنده إجراءات فعلية على الارض الا بحدود ردود الفعل تحت عنوان" حفظ ماء الوجه" وما يمكن معه قراءة الأثر الذي توقعه الصواريخ والطائرات المسيرة التي تنطلق على اسرائيل من لبنان وسوريا والعراق بالاضافة لليمن، ومع ذلك فان هذا التصعيد الاسرائيلي المتوقع ، تحدده مرجعيات وتحولات في الاقليم.

فقد أبرزت التطورات في المواجهة مع حزب الله، منذ طوفان الاقصى، كسرا اسرائيليا متكررا لمقاربة "قواعد الاشتباك" انتهت بمواقف إيرانية جديدة عبر مسبوقة، عبر عنها الرئيس الإيراني الجديد"بزكشيان" ومستشاره "جواد ظريف" خلال وجودهم في نييورك، ومشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، تؤكد انقلابا ايرانيا تجاه الوكلاء وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، الاكثر اهمية بالنسبة لايران، بعد تمرير اغتيال زعيم حماس"اسماعيل هنية" في طهران، في سلسلة من الاستهدافات شملت قائمة طويلة لم تبدا باغتيال "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس عام 2020 فقط، وتطرح على نطاق واسع اليوم شكوك بحجم الاختراق الاستخباري الذي حققته المخابرات الاسرائيلية في صفوف محور المقاومة، وفي اوساط قياداته، ويذهب كثيرون الى ان الاختراق ليس في صفوف المستويات القيادية عند الوكلاء فقط، بل في اوساط قيادية ايرانية، وان تركيز ايران ووكلائها على ان الاختراق الاسرائيلي سببه التفوق التكنولوجي الاسرائيلي، انما ياتي للتغطية على الاختراقات عبر مصادر وعملاء، وهو ما تؤكده الاعلانات المتتالية من قبل ايران عن اكتشاف خلايا تجسس داخل ايران، والى جانب ذلك، فقد ارسلت تحولات المواقف الايرانية الجديدة برسالة غير مشفرة، وهي انه خلافا لثنائية الاصلاحيين والمتشددين التي حكمت ايران لعقود، فان التحولات الجديدة تتم بتوافق بين الجناحين، وهو ما يفسر مضامين الخطاب الجديد للمرشد الاعلى و"الصمت" المريب للحرس الثوري الايراني تجاه ما يجري في الاقليم.

وإذا كانت حرب غزة موضع خلاف داخل إسرائيل بين المستويين السياسي من جهة والعسكري والامني من جهة اخرى، ومع الادارة الامريكية، فان القضاء على حزب الله موضع اجماع داخل اسرائيل" 60% من الرأي العام الإسرائيلي يؤيد الحرب على حزب الله، فيما مواقف المعارضة الاسرائيلية، بقيادة غانتس وبينت تصدر مواقف على الأقل لا تختلف عن مواقف نتنياهو واليمين الاسرائيلي" هذا الموقف تجاه حزب الله تؤيده ايضا الادارة الامريكية الحالية " الاسيرة" لسياقات الانتخابات الرئاسية التي ستجري مطلع تشرين ثاني القادم، بما هي عليه من كون اسرائيل ودعمها بعد طوفان الاقصى أحد عناوين التنافس في هذه الانتخابات، ومن الواضح ان نتنياهو ومعه لوبي امريكي يهودي واسع يستثمر ذلك لمزيد من الضغط على صانع القرار الامريكي، وتمت ترجمته في خطابيه امام الكونغرس الامريكي قبل اشهر، وفي الامم المتحدة قبل يومين.

ورغم كل ما يقال عن قوة المقاومة، فإن السيناريو الأرجح هو ان تواصل إسرائيل الضرب بكل مكان، في لبنان وسوريا والعراق واليمن، فالقيادة الإسرائيلية تعيش "نشوة" انتصار، تتجاوز ما يتم ترديده أنها مرتبطة بنتنياهو لتؤمن له هدف الهروب من تقديمه للقضاء، وتتجاوز ما يتردد أنها تبحث عن انتصار خارج غزة، فاسرائيل مدفوعة اليوم باعادة صورة "الدولة" الأقوى وصاحبة اليد الطولى الضاربة، وإلغاء صورة الدولة "الهشة والضعيفة" التي ارتسمت في السابع من أكتوبر بعد طوفان الأقصى.

كل هذه السياقات تدركها القيادة الايرانية، التي اعلنت بالامس وبالتزامن مع خطابات التهديد والوعيد ان المرشد الاعلى انتقل الى مكان " آمن" لكن ذلك لا ينفى ما تردد حول خلافات داخل القيادة الإيرانية حول طبيعة ومستوى الرد الايراني على اسرائيل، فهل سترد ايران على غرار ردها في نيسان الماضي بعد اغتيال اسرائيل مستشاري الحرس الثوري في السفارة الايرانية بدمشق، ام ستمرر تصفية نصرالله، في ضوء تقديرات بان الرد الاسرائيلي سيكون هذه المرة باستهداف المفاعلات النووية الايرانية ومراكز قيادة وتحكم بالاضافة لتدمير بنى تحتية، تدرك إيران أنه ليس بمقدورها التصدي لها؟