الأفكار السائدة تعبر عن الطبقة السائدة

 

إبراهيم غرايبة

تؤشر حالة الأزمات الاجتماعية والانقسام العميق في المجتمعات إلى أزمة النخب (بما هي القيادات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) أكثر مما هي أزمة المجتمعات والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، لأنه ما يزال وحتى اليوم يستدل على الأفكار والاتجاهات والأزمات بأفكار واتجاهات النخب باعتبارها هي التي تملك أدوات التأثير والتنظيم الاجتماعي والأخلاقي؛ المال والموارد والإعلام والإرشاد والمؤسسات الاقتصادية والتنظيمية والقيادة والتراكم العملي والتجارب، ومن البداهة أن نبدأ الفهم والتحليل للمشهد الاجتماعي السياسي أو تشخيص الأزمة بملاحظة أزمة واتجاهات النخب المهيمنة في السلطة والأسواق والمجال العام. يعمل الفضاء العام أو المجال العمومي؛ سواء كان مؤسسيا كالإعلام والشبكات والمؤسسات التعليمية والإرشادية، أو تنظيميا كالانتخابات والتشريعات والقوانين والضبط وإعداد الفاعلين الاجتماعيين وتهيئتهم؛ أو ثقافيا مثل أسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والقيم والأعراف والأذواق والترفيه والرياضة والاتجاهات الجمالية والاستهلاكية أو الفنون المعبرة عن حياة الناس وتطلعاتهم كالآداب والفنون والموسيقا والمسرح، أو التشكلات السياسية والطبقية كالأحزاب وقادة الرأي ورجال الأعمال والمنظمات الاجتماعية؛ والمصالح الاقتصادية والسياسية، والفلسفات والأفكار والايديولوجيات (ليبرالية أو محافظة أو قومية أو أصولية أو يسارية أوشيوعية أو فوضوية، أو نسوية، أو تعددية وتنوعية، أو ما بعدية،..) ببساطة وبداهة لصالح الأكثر نفوذا، والأكثر تنظيما، .. وبالطبع الأكثر مالا، ومن البداهة القول إن هذه الشروط والإمكانيات (المال والنفوذ والتنظيم) للتأثير في المجتمعات والطبقات والرأي العام وشبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام كما السياسات العامة والاتجاهات والأفكار يحددها على نحو حاسم هم الذين يملكون هذه الأدوات والمتطلبات، هكذا وبطبيعة الحال فإننا نتوجه بالفهم والتقدير على الأزمة بأنها أزمة النخب، سواء كانت أزمة فشلها وعجزها وفقدانها المبادرة والرؤية وتقدير مسار واتجاهات المواطنين والمؤسسات والمفترض أنها مستمدة من فلسفتهم السياسية ومصالحهم أيضا، أو كانت أزمة الوعي الحقيقي والمسبق للأزمة، بمعنى الدفع باتجاهها وإدارتها على هذا النحو. وأما الدفع بالأمثلة الصحيحة عن اتجاهات وأعمال وأفكار خارجة عن هذه القاعدة، أي تلك الأفكار والاستخدامات الفردية أو غير المنظمة لأدوات التأثير والإعلام، كالتدوين والجدل والتعبير السياسي والاحتجاجي والمطالب والأفكار التي تبدو خارج سياق وتأثير النخب، فهي أمثلة برغم صحتها لا تنقض القاعدة، لأنه على الدوام ثمة مجالات وهوامش غير حاسمة أو مؤثرة على نحو غالب أو مرجح، أو أنها حالة تعكس لعبة النخب نفسها، أو (وهذا هو الاستنتاج المخيف) تعكس الفوضى وفقدان البوصلة وانقراض النخب والطبقات السائدة، بمعنى أننا نشهد حاضرا يتصدع ومستقبلا لم يتشكل بعد، مستقبلا ليس غامضا باتجاهاته لكن قياداته لم تتشكل بعد! وفي جميع الأحوال فإن التوعية المجردة بالخطأ سواء كان ذلك عملا سياسيا أو ثقافيا أو إرشاديا، والتحذير منه بأدوات الوعظ والانتقاد والإفتاء دينيا أو سياسيا او اجتماعيا لا يفيد كثيرا ولا حتى قليلا، فالأخطاء لم ترتكب إلا نادرا (والنادر لا حكم له) بسبب نقص الوعي او المعرفة، ولا يتشكل الالتزام الأخلاقي أو الاجتماعي أو الديني أو القانوني بالتلقي المباشر من قادة الرأي، فقد أفتى المشتغلون بالدين في جميع المستويات بدءا بوزير الأوقاف والمفتي العام إلى الدعاة والأئمة في اتجاهات ومواقف كثيرة، .. وكان ممكنا على سبيل المثال الاكتفاء بتحذير وزير الاوقاف من التطرف، كما أفتى أهم مرجع في الإفتاء بحرمة التطرف، فهل يكفي ذلك؟