مراجعة قرار هيكلة النظام الجمركي

سلامة الدرعاوي

ما زلت على قناعة تامة أن قرار الحكومة السابقة بإعادة هيكلة النظام الجمركي وتخفيض الرسوم لأربعة مستويات جمركية كان تنازلا مجانبا من الحكومة السابقة دون أي مبرر اقتصادي في الوقت الذي كان مفترضا عليها أن تحمي منتجاتها الومضية وتمارس نفس السلوك الإداري والجمركي والضريبي الذي يمارس في دول الجوار لحماية صناعتها الوطنية.

عندما اتخذت الحكومة السابقة القرار بررت ذلك بأن الهدف كان تحسين الأداء الجمركي وزيادة الإيرادات وتبسيط الإجراءات، فالحكومة في ذلك الوقت أشارت إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي، ويعزز من مكافحة التهريب، ومع ذلك، يبقى السؤال:

هل تحققت هذه الأهداف بالفعل؟ على أرض الواقع، الإيرادات من الرسوم الجمركية قد تراجعت عوضا عن الزيادة، فالانخفاض في الإيرادات الجمركية واضح حيث انخفضت الإيرادات العام الماضي ما يقارب الـ25 مليون دينار، و90 مليون دينار لغاية شهر أيلول، ولم يظهر حتى الآن أي تأثير ملموس على مكافحة التهريب، خاصة في بعض القطاعات مثل قطاع الألبسة، الذي ما يزال يواجه تحديات تهريب كبيرة.

وبالرغم من أن المرحلة الثانية من القرار التي ستبدأ في بداية 2025، والتي ستخفض التعرفة الجمركية للفئة العليا من 25 % إلى 20 %، كان من المفترض أن تؤدي إلى زيادة تنافسية السلع المستوردة، إلا أن التجار والمستوردين استغلوا هذا التغيير بطريقة مختلفة تماما، فالعديد منهم اختار تأجيل استيراد السلع حتى نهاية العام الحالي بانتظار التخفيض القادم في الرسوم، مما تسبب في تراجع ملحوظ في الإيرادات الجمركية وضريبة المستوردات وهو طلب رئيسي في تراجع استيراد السلع خلال هذا العام.

وإذا كان من المفترض أن يشكل هذا القرار نوعا من الدفعة الاقتصادية، فلماذا لم نر حتى الآن أي أثر إيجابي ملموس؟ وهذا الوضع يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة الحالية ستعيد النظر في هذا القرار، حيث كانت الحكومة السابقة قد وعدت بإجراء إعادة تقييم شاملة لتأثير هذا القرار بعد دخوله حيز التنفيذ، لكن حتى الآن لم نر أي تقييم أو مراجعة فعلية، ولو كانت هناك قناعة تامة بفعالية هذا القرار، لكانت الحكومة قد دافعت عنه، وأوضحت نتائجه الإيجابية، ولكن الصمت الحالي يشير إلى أنه ربما لم تحقق التخفيضات الجمركية النتائج المرجوة، مما يستدعي النظر مجددا في جدواها وتأثيرها الحقيقي على الاقتصاد، وعلى مختلف القطاعات.

وفي هذا السياق، تحتاج الحكومة الحالية إلى إظهار الشجاعة اللازمة لإعادة تقييم القرار ومعرفة ما إذا كان ينبغي تعديله أو استبداله بسياسات أكثر فعالية تهدف إلى تعزيز الإيرادات وتقليص التهريب وتحقيق الفوائد المرجوة للمواطنين والاقتصاد الوطني ككل، وبالنظر إلى أن هذه السياسات كان من المفترض أن تخدم الاقتصاد المحلي وتحميه، فإن أي تعديلات عليها يجب أن تأخذ في الاعتبار التأثيرات السلبية التي ظهرت بمرور الوقت والتأكد من أن السياسات المعدلة تحقق توازنا بين حماية الصناعة المحلية وتشجيع الاستيراد.

من الضروري أن تقوم الحكومة بإجراء دراسة شاملة حول تأثير هذا القرار وإعلان نتائجها بشكل صريح وواضح للرأي العام، وهذه الدراسة يجب أن تتناول بالتفصيل كيفية تأثير التخفيضات الجمركية على الإيرادات، التجارة، ومكافحة التهريب، كما يجب أن توضح الفوائد الفعلية التي جلبتها هذه التخفيضات، أو إن كانت هناك أضرار أكثر من الفوائد، وبهذه الطريقة، يمكن للحكومة أن تتخذ قرارات مبنية على حقائق وبيانات موثوقة، وتضمن تحسين أداء النظام الجمركي بما يتوافق مع مصلحة الاقتصاد الوطني والمواطنين.

وعندما تواجه الحكومة نتائج غير متوقعة من سياسات اقتصادية معينة، يصبح من الضروري اتخاذ قرارات تصحيحية تضمن تحقيق الأهداف المرجوة، وفي حالة النظام الجمركي، فإن إجراء تعديلات على هذه السياسات ليس فقط أمرا ضروريا لضمان زيادة الإيرادات الحكومية، ولكنه أيضا يؤدي دورا محوريا في الحد من التهرب الجمركي الذي يستنزف الموارد العامة.

القرارات التصحيحية تعيد التوازن بين مصالح مختلف القطاعات الاقتصادية، وتضمن عدم استفادة طرف واحد على حساب آخر، سواء كان ذلك على مستوى التجار أو المواطنين، وتحسين الإيرادات الجمركية ومكافحة التهريب سيسهمان في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، ويدعمان التنمية المستدامة من خلال توفير موارد إضافية لتلبية احتياجات الدولة والمجتمع.