تسخين نيابي حكومي حزبي: من يحوز الثقة؟

أحمد حمد الحسبان

في المشهد النيابي الحكومي تقاطعات كثيرة، تلتقي عند بعض النقاط وتفترق عند بعضها. فالحديث عن الثقة لا يعني الثقة بالحكومة فقط، ففي المجلس الجديد الكل يسعى لنيل ثقة تخصه، وتؤسس لحالة نهوض إصلاحي تتوافق مع العنوان الرئيس للمرحلة وتراعي قدرا من ثوابته. 

فالتعمق في المشهد يتوقف عند أكثر من مسار للثقة، فالحكومة تسعى للفوز بثقة مجلس النواب من جهة، والشارع من جهة أخرى، بينما النواب يسعون للفوز بثقة الشارع كل ضمن مساره، وتحت العنوان الذي يندرج ضمنه، سواء أكان معارضة أو غير ذلك. 

فالمعارضة - المفترضة - وعلى رأسها كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي تضع أمام أعينها استعادة تجربة 1989، لجهة قوة المعارضة وشدة تأثيرها على مستوى الأداء البرلماني والوطني، وفي المقابل تجسير الهوة مع مؤسسات الدولة العميقة وصولا إلى المشاركة في الحكومات بما يتوافق مع رؤيتها وثوابتها. ومن الناحية العملية تسهيل مهمتها في تقديم معارضة حقيقية وتقبّل ذلك على مختلف المستويات البرلمانية والحكومية بما يقترب من مستوى شعبيتها لدى الشارع. 

وفي مسار فرعي، ثمة تنافس شخصي وكتلوي حقيقي حول من سيفوز برئاسة أول مجلس نواب حزبي، حيث تتشارك كل الكتل ـ مع أنها ما زالت في طور التشكيل ـ على خوض التجربة والتنافس على رئاسة المجلس، ومكتبه الدائم ولجانه المختصة. ولاحقا في تفعيل الدور الرقابي الذي يعتقد متابعون أنه تراجع في المجلس السابق لصالح التشريع. 

فالاتصالات مستمرة على المستوى الشخصي بين النواب، ونسبة منهم سبق وأن أشغل مقاعد نيابية وشارك في انتخابات سابقة. وعلى المستوى الحزبي، حيث يشكل الحزبيون غالبية أعضاء المجلس الجديد. 

فلغة الأرقام تؤشر على أن 52 نائبا من المجلس الجديد كانوا نوابا سابقين،  وأن 86 نائبا فازوا في مقاعدهم لأول مرة. وأن عدد النواب الحزبيين الذين فازوا في الانتخابات وصل إلى 104 نواب من أصل 138 نائبا عدد أعضاء المجلس. من بينهم 31 نائبا ينتمون إلى حزب جبهة العمل الإسلامي، منها 17 مقعدًا فازوا عن الدائرة العامة، و14 مقعدًا للدوائر المحلية، وبنسبة 22.5 في المائة من مقاعد المجلس.

وعلى مستوى عدد الأصوات، فقد حصل حزب جبهة العمل الإسلامي على أكثر من 460 ألف صوت على مستوى القائمة العامة، وبنسبة قدرها الحزب بـ»44.8 بالمائة» من عدد الأصوات المحتسبة، وهي نسبة دفعت بالحزب - وفقا لمعلومات تتسرب من الجلسات النقاشية - إلى التفكير جديا بمستوى ثقله في الشارع، - ليس من زاوية أنها المرة الأولى التي ينجح في حصد مثل هذا العدد من الأصوات فقط - وإنما من حقه المفترض - وفقا لتفكير البعض من قياداته -  بأن يحصل على ثقل يوازي هذا الرقم من الأصوات التي تشير التحليلات إلى أنها كانت أصواتا سياسية باعتبارها نتيجة لانتخابات على مستوى الدائرة العامة ذات الطابع السياسي، وأنها شكلت التنافس الفعلي بين الأحزاب التي تمكن عشرة من أصل 36 منها اجتياز عتبة الحسم. وهو أكبر عدد أصوات ناله الحزب في تاريخه.

على المستوى الحكومي، تركز الحكومة المكلفة على ترتيب أوراقها وإعداد برنامجها، وتبذل جهودا كبيرة لأن تكون حكومة متميزة عن غيرها، فقد بدأت بالحفاظ على الوزراء من الحكومة السابقة ممن  نجحوا في وضع وتنفيذ برامج متميزة، فتم تكليفهم بنفس حقائبهم، ونفذت الحكومة بأمر من رئيسها خلوة ناقشت كتاب التكليف السامي وكيفية الالتزام بتنفيذه، وآلية التعاون بين الوزارات من أجل تميز الأداء وتناغمه، وصولا لإنجاز يرتقي إلى مستوى المرحلة والمتطلبات الوطنية وبحيث يكون الأداء قابلا للمتابعة والإنجاز وخاضعا للتقييم. 

وأعلن رئيس الحكومة جعفر حسان أن مجلس الوزراء سيركز على العمل الميداني وصولا إلى انعقاد المجلس الوزاري بشكل دوري في المحافظات والتواصل مع المواطنين والاستماع إلى مشاكلهم والعمل على حلها ضمن ما هو متاح من إمكانات. 

غير أن الشارع الذي بدا وكأنه فقد الأمل بالحصول على حلول للمشكلات المتجذرة وعلى رأسها قضايا البطالة والفقر والمديونية واصل نقده للتشكيل معتبرا أن العديد من أفراد الطاقم الحكومي يتحملون جانبا من المسؤولية عما وصلت إليه الأمور وأنهم كانوا جزءا ممن خططوا ونفذوا وأوصلوا الأمور إلى ما هي عليه الآن. 

اما على المستوى النيابي، فالتنافس شديد جدا بين الكتل النيابية الحزبية مع أن غالبيتها تتوافق حول إمكانية تشكيل ائتلاف حزبي يضم الأغلبية النيابية وبشكل يمكنها من التحكم في مفاصل القرار سواء ما يتعلق بالثقة الحكومية أو بمختلف البرامج التنفيذية، إضافة إلى رئاسة المجلس والمكتب الدائم. 

ففي حين حصلت كتلة العمل الإسلامي على 31 مقعدا، بلغ عدد النواب الحزبيين 104 نواب غالبيتهم من الأحزاب الوسطية الجديدة المتقاربة حد التطابق في البرامج ومستوى التوجهات والتفكير، ما يعني - نظريا- أن المجال مفتوح للتواصل بين 73 نائبا للدخول في ائتلاف حزبي، ومع باقي النواب غير الحزبيين لاستمالتهم. 

ومثل ذلك التوجه قائم لدى كتلةالجبهة» من أجل استمالة بعض منهم، مع ما يسود من تحليلات بأن فرصة الانضمام لـ»كتلة الجبهة» أقل منها لدى الائتلاف الواسع المنتظر. والذي يتوقع محللون أنه سيكون ائتلافا مصلحيا قد لا يعمّر طويلا. 

وبين هذه وتلك يبدو التنافس على أشده بين مختلف الأطراف وسط تفسيرات بأن ذلك سيصب في مصلحة المواطن الذي يرى في تعدد الاتجاهات وبروز تيار قوي للمعارضة والتحول إلى العمل الحزبي سيكون في صالحه. بينما يرى المواطن- حتى اللحظة- أن صعوبة الظرف ستقف عائقا دون نجاح كافة الأطراف في تحسين أوضاعه المعيشية. لكنه يأمل بأن تؤسس حالة التنافس بين الأطراف المتعددة، والرغبة الحكومية في الفوز بثقة أول مجلس نيابي يغلب عليه الطابع الحزبي ستنعكس إبجابيا على الوضع العام. ويرى أن الحالة ما زالت في طور التأسيس، وأنها بحاجة إلى بناء قد يكون أكثر متانة في المجلس المقبل الذي سينتخب في العام 2028 في حال تغلب العامل الإيجابي على مستوى الأداء خلال السنوات الأربع المقبلة. 

ويبقى السؤال.. «من سيفوز بالثقة»، مطروحا إلى أن يجتمع المجلس بالموعد الدستوري في الأول من تشرين الأول المقبل، أو في أي موعد يحدده جلالة الملك صاحب الحق في التأجيل لفترة لا تزيد على الشهرين. وبحيث يجتمع مجلسا الأعيان الذي ينتظر صدور مرسوم ملكي بتشكيله خلال أيام، والنواب الذي يواصل تشكيل كتله وصولا إلى اتضاح صورته بشكل أكثر وضوحا.