إخوان الأردن

 

عبدالهادي راجي المجالي

أتابع حركة "الإخوان" في الأردن بعد النصر الذي حققوه في الانتخابات النيابية، ولدي رسالة لهم مليئة بالود:

الإخوان في الأردن هم قوة في التنظيم وضعف في التفكير، وهذه المقولة لا تقع في إطار الإساءة أو التجريح، بل في إطار وصف الحال. أولى "غزواتهم" كانت متعلقة بالمناهج وسميرة توفيق، وكذلك بعرض سيارات "الخردة" لنوابهم في البرلمان. وسؤالي هو: هل سيعاب النائب إن اشترى سيارة بالأقساط أو ركب سيارة عادية مثل تلك التي يركبها عامة الناس في بلادنا؟

حين أقول "قوة في التنظيم وضعف في التفكير"، فأنا أعلم جيدًا ما أقول. في تونس، مثلاً، كان الإخوان قوة في التفكير أكبر من قوة التنظيم، إذ أنتجوا مفكرًا عالميًا مثل راشد الغنوشي، الذي ترك خلفه 26 مؤلفًا، وأهمها ما كتبه عن ابن تيمية. الغنوشي هو الوحيد الذي أنصف ابن تيمية وأكد أن الإسلام لا يتناقض مع مفهوم الدولة المدنية. أما في السودان، فقد أنتجوا حسن الترابي، أحد أهم المفكرين العرب والمسلمين، الذي قاد ثورة حقيقية في الفكر والفقه الإسلامي. وإذا نظرنا إلى خيرت الشاطر في مصر، سنكتشف أنه كان العقل المدبر للجماعة ومنظرها، وهو من كتب مقالاً مشهورًا في "الغارديان" بعنوان: "لا تخافوا منا"، محاولاً تقديم الإخوان بصورة مختلفة عن الانطباع الذي تشكل في عقول الغرب.

أما الإخوان في الأردن، فلم يستطيعوا منذ تأسيسهم أن يقدموا مفكرًا عربيًا ملهما للحركة، ولا قائدًا جماهيريًا، بل كانوا قوة في التنظيم فقط. قدموا صورة السيارات "الخردة" التي يمتلكها نوابهم في محاولات لاستدرار العطف الشعبي وإظهار الزهد، وهاجموا سميرة توفيق. كان من الممكن للحركة في هذا الوقت أن تفرز وجها جديدًا ومنظرًا مهمًا، لتقديم ذاتها بنفس المستوى التونسي، وأن تثبت أنها ليست مجرد تنظيم، بل قوة في التفكير والتنظير.

ثانيًا: لم يقدم الإخوان في الأردن حتى الآن رأيًا واضحًا حول الهوية الأردنية. حاول المهندس مراد العضايلة فعل ذلك، لكنه كان ملتبسًا في التقديم. وكما نعلم، فإن أي حزب في العالم يجب أن يمتلك نظرية تأسيسية. ربما استند إخوان مصر في بداية الستينيات إلى سيد قطب لصياغة نظريتهم حول "الحاكمية الإلهية"، لكن إخوان الأردن لم يقدموا نظرية واضحة حول المجتمع، أو القضية الفلسطينية، أو الدولة المدنية. يهاجمون فكرة الدولة المدنية دون أن يقرأوا ما كتبه الغنوشي عن الإسلام والدولة المدنية. يحاولون ممارسة الإصلاح في المجتمع من خلال الاعتماد على النص المطلق، ويمارسون السياسة، رغم أن السياسة علم مستقل، وليست تحشيدًا أو مسيرات. الأخطر من ذلك هو قفزهم على المشهد الوطني والمناسبات المحلية، أو هروبهم من مواجهتها.

ثالثًا: كان عبداللطيف عربيات منظرًا حقيقيًا على مستوى الوطن الأردني، إذ قدّم مفهوم الحركة في السلطة عبر رئاسته لمجلس النواب، وأدار المشهد بعقلية وطنية، وليس بعقلية إخوانية. كذلك كان يوسف العظم قائدًا جماهيريًا تسلل إلى وزارة التربية ومارس الإصلاح عبر المناهج. أما إخوان اليوم، فيعتقدون أن عرض سياراتهم "الخردة" ووضع نمرة المجلس عليها كافٍ لتضخيم شعبيتهم وقبولهم الاجتماعي. هناك فارق كبير بين عقلية عربيات في التعامل مع السلطة وعقلية العظم في الإصلاح، إذ دخل هؤلاء في عصب الدولة وفهموا منهج الإخوان كدعوة للإصلاح، وليس كتحشيد شعبي.

رابعًا: الإخوان بحاجة الآن إلى مؤتمر عام يشترك فيه الجميع لمراجعة مسارات الحركة وطريقة عملها. إنهم بحاجة لإنتاج قوة في التفكير، وليس الاعتماد على قوة التنظيم فقط. حسن الترابي لم يهاجم فنانًا في حياته، وكتب الغنوشي ما زالت تُدرّس في "السوربون" باعتباره مرجعًا لفكر الإخوان. حسن البنا ما زال يُعتبر صاحب النظرية الحقيقية للإخوان التي تقوم على الدعوة والإصلاح، وهي نظرية اجتماعية بالأساس.

خامسًا: أخطر ما يواجه الإخوان الآن هو الإنكار. البعض يحاول إنكار حضورهم كحالة اجتماعية ثقافية في المشهد الأردني، وعلى الإخوان أن يدركوا أنهم من تعبيرات المجتمع الحقيقية. لكنهم للأسف يفتقرون إلى فكرة "المنظِّر" في الحركة، وإلى المرجعية والمشروع الوطني، كما يفتقرون إلى إجابات واضحة حول الهوية. كل هذه العوامل مجتمعة قد ترسخ فكرة إنكارهم في المجتمع واعتبارهم حالة طارئة نشأت بفعل المناكفات فقط. هذا الرأي مطروح بقوة في الشارع، فالبعض يرى نجاحهم نتيجة لفراغ الساحة وغياب بديل مقنع، مما دفع الناس للمناكفة، وهذا بحد ذاته إنكار لهم.

عليهم الآن أن يتجاوزوا سميرة توفيق وسيارات نوابهم "الخردة" المطعمة بنمرة المجلس، وأن يتجاوزوا "الشو أوف". وكما قلت، هم بحاجة إلى مراجعة تاريخية يشترك فيها الجميع، ويعلنون موقفهم بجرأة حول المجتمع والهوية والدولة. الحركة الآن بحاجة إلى "غربلة".

لا أملك موقفًا عدائيًا من الإخوان – معاذ الله – لكنها مجرد ملاحظات في إطار النصح ليس إلا.