تفكيك حزب الله: استراتيجية إسرائيل الجديدة في لبنان

د. عامر السبايلة

انتقل التركيز الإسرائيلي في حرب الجبهات المفتوحة بشكل شبه كامل إلى جبهة الجنوب اللبناني، وعنوان هذا الانتقال هو بلا شك «عامل المفاجأة الاستخباري». العملية التي استهدفت منظومة اتصالات حزب الله تُعتبر متطورة جداً على الصعيد الاستخباري، والواضح أنها جزء من عملية عميقة ومعقدة متعددة الأهداف والمراحل.

تفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصالات لا يمكن النظر إليه كعملية استهداف عادي. في الجوهر، لا تهدف هذه العملية إلى القضاء على أفراد حزب الله بشكل أساسي، بل تهدف إلى خلق هزات ارتدادية متعددة المستويات، مما يجعلها جزءًا من عملية معقدة مبنية على مراحل متدرجة.

ضرب المنظومة الاستخبارية لحزب الله بهذه الطريقة يضع الحزب أمام امتحان وجودي حقيقي، ليس فقط بسبب السقوط الاستخباري، بل أيضاً بسبب التداعيات على مستويات عدة: العملياتي، وتعطيل قدرة الحزب على الرد العسكري، والبشري واللوجستي، وحتى الشعبي. كما أن ضرب الحزب في حاضنته الأساسية يخلق حالة من الرعب داخل بيئة الحزب وأعباء بشرية طويلة الأمد، ويثير الشكوك في الأوساط الضيقة للحزب، وهو ما يبدو وكأنه الهدف الأبرز في هذه المرحلة.

الاختراق الإسرائيلي لا يبدو مرتبطاً فقط بأجهزة الاتصالات الأخيرة، بل يشمل عمليات أوسع حجماً واختراقاً استخبارياً مستمراً لفترات طويلة. وقد اتضح ذلك من خلال الاستهداف المباشر للحزب وقياداته في معاقله بالضاحية الجنوبية. عدم رد الحزب بصورة مباشرة وقوية على مقتل القيادي الحاج محسن «فؤاد شكر» دفع إسرائيل إلى الاستمرار في ضرباتها ونقل المواجهة إلى مرحلة أكبر وأكثر جرأة.

بدأ تغير الأولويات نحو جبهة لبنان بالنسبة لإسرائيل مع انحسار المعارك في غزة واحتواء التصعيد في الضفة الغربية، مما سمح تدريجياً لإسرائيل بالتركيز المكثف على الجبهة اللبنانية. وعلى عكس ما كان يُخشى من حرب مفتوحة، لجأت إسرائيل تدريجياً إلى المواجهات المبنية على الاختراقات الاستخبارية. هذا التكتيك مكنها من تعطيل وتفجير أجهزة الاتصالات «البيجر» التي يستخدمها حزب الله، مما سمح لها بتقويض القدرات العملياتية للحزب دون الانخراط في اشتباكات عسكرية مطولة.