ملامح عامة!

 

يعقوب ناصر الدين

حسنا يفعل رئيس الوزراء الجديد الدكتور جعفر حسان، أن بدأ الخطوات الأولى لحكومته من مدخل رؤية التحديث الاقتصادي ليبني على أساسها برنامج حكومته الاقتصادي، فكل الحقائق والشواهد على أرض الواقع تضع واقعنا الاقتصادي كأولوية أولى أمام أي حكومة تريد مواجهة التحديات، وتتجاوز العقبات، سواء من أجل الحفاظ على وتيرة معينة، ضمن المعايير والتقيمات العالمية، أو القدرة على حل مشكلات الفقر والبطالة، بكل ما ترتبط بهما من مشكلات تشمل المدخلات والمخرجات في آن معا.

لا شك أنها المهمة الأصعب أمام هذه الحكومة، ولكنها ليست معزولة عن عملية التحديث السياسي، والتطوير الإداري باعتبار التكاملية بينها ضمن مشروع الأردن الجديد الذي يريد أن يقطع المراحل من المئوية الثانية من تاريخيه الحديث وهو أكثر قوة وثباتا، رغم كل ما يحيط به من حروب وأزمات تهدد أمن واستقرار المنطقة التي هو جزء منها، يتأثر بسلبياتها ولا يستفيد من ايجابياتها لأنها باختصار ليس موجودة في الأصل، وحتى وإن توفرت في فترة هدوء معينة فإنه لا يمكن البناء عليها لفترات زمنية لا طويلة ولا قصيرة!
دائما كان على الأردن الاعتماد على النفس قدر المستطاع، والاستفادة من علاقاته الدولية أولا والعربية ثانيا لكي يخفف من الأعباء التي يتعرض لها، وغالبا نتيجة أزمات لم يكن يوما شريكا في صنعها، يتحمل أعباءها، ويسعى مع الساعين لإخماد نيرانها، وهو رغما عن ذلك معني بالسعي نحو تعاون عربي مشترك، أساسه اتفاقيات ومعاهدات وقرارات جامعة الدول العربية على مستوى القمة ومجلس الجامعة ومجالسها ومنظماتها المتخصصة، ونحو تبادل إقليمي للمصالح أساسه نظرية الأمن والتعاون الإقليمي، ونحو تعاون دولي أساسه العلاقات الثنائية المتبادلة، والاتفاقيات الدولية القائمة قبل وبعد العولمة، وكلها امتدادات يسعى الأردن إلى الحفاظ عليها وتطويرها.
لا يحتاج رئيس الوزراء إلى جهد كبير لكي يبحث عن العناصر التي يحتاجها للتقدم إلى الأمام، فهو صاحب خبرة عملية وعلمية بهذا الشأن، وقد أظهر الكثير من تلك المعرفة في رده على كتاب التكليف السامي، وهو رد مطول ومفصل وواضح المعالم، يدل على أن الرئيس لن يبحث عن الحلول بقدر ما سيبحث عن الخطوات التنفيذية، طبقا للرؤية الاقتصادية، وتبعا للأولويات التي يمكن أن تتغير بالنظر إلى العوامل الخارجية، وغيرها من الاحتمالات أو التطورات التي قد تفرض نوعا من المراجعة في مرحلة معينة.
الملامح العامة للمرحلة المقبلة ليست محصورة بالرؤية الاقتصادية فهي محور من محاور مسيرة النهوض التي نمضي عليها، ولا شك أن هذه الحكومة ستتعامل مع مجلس نيابي جديد في تشكيلته، وجديد في طبيعته، وربما في أسلوب تعامله مع الحكومة، ذلك أن الأحزاب البرامجية قد تجاوزت حدود الواحد وأربعين مقعدا المخصص لها بحكم القانون الذي جرت الانتخابات بناء عليه إلى أبعد من ذلك بكثير حصلت على مزيد من المقاعد من خلال القوائم المحلية، ومن المنطقي أن تقودنا التوقعات إلى أن النقاشات العامة والممارسات التشريعية والرقابية ستكون على درجة عالية من المسؤولية التي سيتحملها البرلمان، وتتحملها الحكومة على حد سواء.
هذه مرحلة جديدة بامتياز تقتضي من الحكومة أن تعطي أفضل ما لديها من كفاءة ومن مصداقية ومن التزام بما عاهدت عليه جلالة الملك من عمل منظم وإنجاز محقق لصالح الأردنيين جميعا، وتقتضي في المقابل من مجلس النواب أن يخلص للذين وضعوا ثقتهم فيه ومنحوا أصواتهم لأعضائه كي يعبروا عن طموحاتهم، وهي طموحات ليست محددة بمستويات معيشته ومستقبل أجياله وحسب، بل بالحفاظ على قوة الأردن وصموده في وجه الأزمات والتهديات مهما كان حجمها أو مصدرها!