هذه هي أسباب رفع الضريبة
سلامة الدرعاوي
أصوات متعددة تطالب الحكومة الجديدة بمراجعة قرارات الحكومة المستقيلة الخاصة برفع الضريبة الخاصة على السجائر والسيارات الكهربائية، باعتبار هذا القرار لا يخدم مصلحة المواطن والمستهلك.
في الحقيقة، هناك تقصير إعلامي حكومي رسمي في الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء رفع الضريبة الخاصة على السجائر والمركبات الكهربائية، والتي ترتبط بالعبء المالي البحت، أي حاجة الخزينة العامة لتعويضات مالية سريعة نتيجة لتراجع إيرادات الدولة المستمر منذ الربع الأخير من العام الماضي، والذي استمر بشكل متواصل حتى اليوم.
هبوط إيرادات الخزينة من التحصيلات الضريبية المقدرة في قانون موازنة 2024 تجاوز 600 مليون دينار خلال الشهور السبعة الأولى من هذا العام، وقد يصل الإجمالي إلى أكثر من 700 مليون دينار مع بداية الشهر الحالي، وهذا يعني ببساطة أن عجز الموازنة المجمع المقدر في قانون الموازنة، البالغ 2.78 مليار دينار (موازنة مركزية ومؤسسات مستقلة)، سيرتفع إلى أكثر من 3.5 مليار دينار على أقل تقدير، مما ينسف كل المؤشرات المالية، ليس فقط في قانون الموازنة، بل أيضًا في اتفاق التصحيح مع صندوق النقد الدولي للفترة من 2024 إلى 2028.
من الطبيعي أن يتساءل المواطن عن الأسباب التي أدت إلى هبوط إيرادات الدولة بهذه السرعة، وما إذا كانت هناك خيارات وبدائل أمام الحكومة لتجنب رفع الضريبة الخاصة على السيارات والسجائر.
أسباب انخفاض الإيرادات المحلية من الضريبة الخاصة ترتبط بسببين رئيسيين؛ الأول هو أسباب خارجية بحتة، تتعلق بتدهور الأوضاع الأمنية في الإقليم نتيجة حرب الإبادة في غزة، وما نتج عنها من تعطل حركة الشحن وتأخر الإمدادات والتزود في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، مما أدى إلى تراجع كبير في حركة الاستيراد، وبالتالي تراجع الضريبة الخاصة على المستوردات.
أما السبب الثاني، فهو مرتبط بتغير الأنماط الاستهلاكية للمواطن والمستهلك في بعض السلع الإستراتيجية التي تمتلك وزنًا ضريبيًا مهمًا، مثل السيارات والسجائر.
فيما يخص السيارات، حدث تحول كبير وسريع أكثر من المتوقع من سيارات الوقود إلى السيارات الكهربائية، بعد دخول أكثر من 200 ألف سيارة كهربائية منذ العام الماضي، وهذا التحول أسهم فعليًا في تراجع إيرادات الخزينة من ضريبة المحروقات بأكثر من 250 مليون دينار.
وبالنسبة للسجائر، فإن التحول من السجائر التقليدية إلى منتجات التدخين الحديثة، مثل التسخين، قد ساهم أيضًا في تراجع كبير في إيرادات الخزينة من ضريبة التبغ.
ويبقى السؤال الأخير حول البدائل المتاحة أمام الحكومة عوضا عن رفع الضريبة الخاصة؟
الحكومة لا تمتلك أي مرونة أو بدائل لتعويض الإيرادات المفقودة من المحروقات والتبغ، ولا توجد ضرائب أخرى على أي سلع أو قطاعات يمكن أن تعوض تلك الإيرادات.
في حال تفاقم العجز المالي وعدم اتخاذ أي إجراء لوقف النزيف المالي، فإن الخيار الوحيد أمام الحكومة سيكون ما سيطلبه صندوق النقد الدولي في أثناء مراجعته للاتفاق مع الأردن، وهو إعادة النظر في مخصصات الدعم للخبز والكهرباء والمياه والتعليم والصحة لتعويض العجز، فهل رفع الضريبة على المركبات الكهربائية والسجائر أكثر ضررًا على المستهلك والاقتصاد، أم اللجوء إلى قرارات صعبة مثل رفع الدعم، بما قد يترتب عليه من آثار اجتماعية وأمنية خطيرة لا سمح الله؟
لا يوجد أفضل من المصارحة والمكاشفة مع الرأي العام لشرح أبعاد أي قرار اقتصادي، لكن للأسف، التقصير في الإعلام الرسمي هو سمة سائدة في كل الحكومات بلا استثناء.