التصعيد المحتمل على الجبهة الشمالية، مناورة سياسية أم بداية لحرب شاملة؟


   مروان طوباسي

تشهد المنطقة حالة من التوتر المتزايد مع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بتوسيع العمليات العسكرية لتشمل الجبهة الشمالية ضد حزب الله وسوريا. في ظل هذا التصعيد، تتزايد التكهنات حول الأهداف الحقيقية لهذا التحرك الإسرائيلي، وهل هو جزءٌ من مناورة سياسية تهدف لتحقيق مكاسب في المفاوضات مع حماس أم خطوة نحو حرب شاملة؟ وما هو تأثير الوضع الداخلي في إسرائيل والانتخابات الرئاسية الأمريكية على مجريات هذا التصعيد؟

التصعيد كجزء من مناورة سياسية

قد يكون التصعيد الإسرائيلي جزءً من مناورة سياسية محكمة يقودها نتنياهو. فمن المعروف أن نتنياهو يستغل التوترات الأمنية لتعزيز موقفه، سواءً على الساحة الداخلية أو الدولية، خاصةً مع اقتراب صدور قرار اعتقاله من الجنائية الدولية، ومن أجل حشد الدعم الغربي لسياساته.

فالتصعيد على الجبهة الشمالية قد يخدم عدة أهداف تتمثل بالضغط على حماس في المفاوضات، بحيث تشكل التهديدات ضد حزب الله وسوريا وسيلةً للضغط على حماس لتقديم تنازلات في المفاوضات الجارية. إسرائيل قد ترى في التصعيد فرصةً لإجبار الوسطاء الدوليين، مثل قطر ومصر اللتان تعملان بتنسيق حثيث مع الولايات المتحدة، على تكثيف جهودهم لتحقيق اتفاقات تصب في مصلحتها. تصعيد التوترات على أكثر من جبهة قد يعزز موقف إسرائيل التفاوضي، خاصةً في ظل وجود قضايا عالقة مثل تبادل الأسرى والتهدئة.

تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية

نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية كبيرة، بما في ذلك قضايا الفساد والاحتجاجات المستمرة ضد حكومته، إن افتعال أزمة أمنية قد يكون وسيلةً لتحويل الأنظار وتوحيد الرأي العام الإسرائيلي حول "التهديدات الأمنية". فلا يزال الانقسام داخل إسرائيل حول قضايا عديدة بما في ذلك توجهات الحكومة في التعامل مع الصراع يزيد من تعقيد المشهد. ولذلك قد يسعى نتنياهو من خلال هذا التصعيد إلى تعزيز مواقعه السياسية وإسكات منتقديه واستدامة حكومته.

تعزيز التحالفات الدولية

في ظل تعقيدات المشهد الدولي، قد تسعى إسرائيل من خلال هذا التصعيد إلى تثبيت موقعها كحليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. تصعيد التوترات مع حزب الله وسوريا قد يعزز العلاقات الأمنية مع واشنطن ويدفعها إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل إضافة إلى ما هو جاري.

الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على التصعيد

وهنا باعتقادي لا يمكن فصل التصعيد المحتمل عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية. الإدارة الحالية بقيادة الرئيس بايدن قد تكون أكثر تحفظاً في دعم أي مغامرات عسكرية واسعة لإسرائيل الآن قد تؤثر على استراتيجياتها بمنطقتنا، خاصة مع التركيز على السياسة الداخلية في ظل التنافس الانتخابي المتزايد لديهم. في الوقت نفسه، المرشحين الجمهوريين قد يسعون لتقديم مواقف أكثر دعما غير محدود لإسرائيل في محاولة لجذب الناخبين المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة من جهة، ولأن ذلك يتماهى مع رؤيتهم الأيديولوجية في التعاطي مع قضايا الصراع، ومع الفكر الديني الصهيوني المسيحي - الإنجليكانيين - التوراتي المزعوم المشترك بينهم.

التنافس الانتخابي الأمريكي وما قد ينتج عنه قد إسرائيل إلى التصعيد أو التهدئة بناءً على طبيعة العلاقة بين الإدارة الأمريكية القادمة وإسرائيل. دعم أو تردد الإدارة الأمريكية في التدخل قد يكون له تأثير كبير على مسار الأحداث والعلاقة بين الطرفين التي لن تخرج في جوهرها عن مسار العلاقة التاريخية منذ تأسيس الحركة الصهيونية ودور الولايات المتحدة بها.

المخاطر المحتملة للتصعيد

رغم أن التصعيد قد يكون خطوة محسوبة من جانب نتنياهو رغم الانهيار الجزئي لنظرية الردع الإسرائيلي بالأحداث الجارية، إلا أنه يحمل مخاطر كبيرة. المنطقة الشمالية، بما في ذلك لبنان وسوريا معقدة للغاية من الناحية العسكرية والجيوسياسية. أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى نشوب حرب شاملة تكون لها تداعيات إقليمية خطيرة.

 الرد المتوقع لحزب الله وإيران

حزب الله يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة قادرة على ضرب المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب. كما أن إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، قد تستغل التصعيد لإعادة توجيه الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق مكاسب لها على مستوى مكانتها الإقليمية والدولية كلاعب هام لا يمكن تجاوزه. ومع ذلك، من المرجح أن يكون الرد الإيراني مدروساً لتفادي مواجهة شاملة. إيران قد ترد من خلال حلفاؤها في المنطقة مثل الحشد الشعبي في العراق أو الحوثيين في اليمن كما جرى مع حادث وصول الصاروخ اليمني أول أمس إلى وسط اسرائيل، مع تجنب أي تصعيد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل من جهتها.

دور الولايات المتحدة

تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في أي تصعيد إسرائيلي على الجبهة الشمالية. الولايات المتحدة، التي تقدم دعماً عسكرياً ودبلوماسياً واسعاً لإسرائيل غير محدود بحكم كل محددات العلاقة الإستراتيجية، قد تساهم في تأجيج الصراع أو العمل على تهدئته بناءً على حسابات مصالحها في المنطقة ونجاح مشروعها المتعلق بالشرق الاوسط الجديد الذي تحدثت عنه بمقالات سابقة. ومع ذلك، فإن التدخل الأمريكي المباشر في الصراع يعتمد على طبيعة التهديدات التي ستواجهها إسرائيل. قد تكتفي واشنطن بالدعم الاستخباراتي واللوجستي، لكنها ستكون حذرة في تجنب الدخول في مواجهة عسكرية واسعة إلا إذا أدركت خطراً يهدد استقرار إسرائيل كدولة بالمنطقة، أو ما قد يساهم في تعزيز الاختراق الصيني الروسي لهيمنة الولايات المتحدة بالشرق الاوسط.

روسيا ومصالحها في سوريا والمنطقة

روسيا، التي لديها قوات على الأرض في سوريا، تعتبر لاعباً رئيسياً في أي تصعيد على الجبهة الشمالية. رغم أن روسيا ليست معنية بالدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، إلا أن لديها مصالح كبيرة في استقرار النظام السوري ووجودها في مياه البحر المتوسط. لكن موسكو قد تلعب دور الوسيط لتخفيف التصعيد، خاصة إذا شعرت أن مصالحها مهددة أو أن تدخلها سيشكل تكلفة إضافية لها على ما تتحمله الآن بفعل حرب الناتو بالوكالة ضدها في أوكرانيا. كما أن مصالحها مع الصين ودول البريكس في مواجهة الولايات المتحدة بالمنطقة قد يدفعها لتلعب دوراً مهماً في منع أي انزلاق إلى حرب شاملة.

سيناريوهات محتملة

هناك عدة سيناريوهات قد تنشأ نتيجة التصعيد على الجبهة الشمالية ومنها على وجه التحديد لا الحصر: أولاً، تحقيق مناورة سياسية ناجحة بحيث إذا كان التصعيد يهدف بالأساس إلى تعزيز موقف إسرائيل التفاوضي مع حماس والضغط على حزب الله وسوريا، فقد ينجح نتنياهو في تحقيق هذا الهدف دون الانزلاق إلى حرب شاملة. الوسطاء الإقليميون مثل مصر وقطر وتركيا قد يكثفون جهودهم للتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، مما يساهم في تخفيف التوتر بحيث لا تتأثر مصالحهم في حال اندلاع مثل هذه الحرب.

ثانياً: اندلاع حرب شاملة، ففي حال تصاعد التوترات بشكل غير محسوب، قد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب شاملة على الجبهة الشمالية تشمل حزب الله وسوريا وربما إيران. مثل هذا السيناريو سيكون له تداعيات كارثية على المنطقة، خاصة في ظل ترسانة حزب الله الصاروخية والبنية التحتية العسكرية في سوريا والقدرة الصاروخية للحوثيين. الحرب الشاملة ستكون مكلفة لجميع الأطراف وستدفع المنطقة نحو المزيد من عدم الاستقرار لفترة قد تطول.

ثالثا: تهدئة مؤقتة مع استمرار التوتر، وهو برأيي السيناريو الأكثر احتمالاً، وهو أن تظل التوترات قائمة مع تفادي أي تصعيد شامل. قد تستمر إسرائيل في شن ضربات محدودة ضد أهداف لحزب الله في سوريا ولبنان، بينما تواصل جهودها الدبلوماسية والعسكرية للضغط على كافة الأطراف دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة، حتى تستطيع إسرائيل تمرير سياساتها من خلال ما يجري من جرائم الاقتلاع العرقي والتهجير لمحاولة تنفيذ مشروعها الصهيوني في فلسطين التاريخية الذي لا تعارضه السياسات والمواقف التاريخية للحزبين بالولايات المتحدة سوى في جزيئات هامشية.