ما المطلوب من الدكتور جعفر حسان ؟

موسى العجارمة 

 مهمات كثيرة وطموحات عالقة تقف مُجابهةً أمام دولة رئيس الوزراء المكلف د.جعفر حسان، الذي جاء في ثنايا ظروف مدججة بالفقر والبطالة وارتفاع الدين العام ووضع إقليمي ملتهب، ضمن سلسلة أزمات داخلية وخارجية متوسدة بواقع دميم على نحو مماثل للسنوات القليلة الماضية التي لا يمكن الاعتداد بها أو حتى الاتكاء عليها. 

مما لا شك فيه أن المحور الاقتصادي أبرز الأولويات؛ كونه انبثق بشكل وثيق عن التحديث السياسي الذي رادت تفاصيله المُحكمة (مع بعض الملاحظات) في الانتخابات النيابية الماضية التي أفرزت 31 مقعداً لحزب جبهة العمل الإسلامي، كأكبر الأحزاب المعارضة في الأردن من مقاعد المجلس العشرين لأول مرة بتاريخ البرلمان الأردني منذ عام 1947. 

وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حدد بكتاب التكليف السامي الموجه لرئيس الوزراء المكلف، مسارات الاقتصاد الوطني، مع ضرورة تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وفق برامج تنفيذية واضحة ومعلنة ضمن سقوف زمنية محددة، لإطلاق الإمكانات وتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة الاستثمار وزيادة فرص التشغيل لأبناء الوطن وبناته، ولضمان نوعية حياة أفضل للشعب".

والمسؤولية الحتمية اليوم تقع على عاتق الملف الاقتصادي لتحقيق نقلة نوعية بملف الاستثمار الذي يتمحور كأداة أحادية لتحقيق معضلة الانتعاش الاقتصادي الذي من شأنه تقليل نسب البطالة، وضمان استمرارية السياسات المالية الحصيفة التي لا ترهق الاقتصاد الوطني وتضبط المديونية ولا تزيد الأعباء على المواطن الأردني الذي بات اليوم بحالة يرثى لها دون اهتمامه بأي رئيس حكومة جديد. 

ثنائية الفقر والبطالة تراوح مكانها دون أي تغييرات جذرية حقيقية أدت لسوابق تاريخية لم تحدث من قبل، حيث شهدنا في إبان حكومة الدكتور بشر الخصاونة، هجرات غير شرعية لشبابنا الأردنيين شديدي المراس والمنيعة إلى المكسيك وبريطانيا، لنشهد تداعيات انتهى المطاف فيها بقرار المملكة المتحدة بإلغاء "التأشيرة الإلكترونية" للأردنيين، بسبب سوء الاستخدام.

الوقائع التي شهدناها مؤخراً تؤكد بشكل كبير على أن جميع الخطط الحكومية الموضوعة لمجابهة البطالة والفقر، لم ترتقِ للطموحات المأمولة، والأمر الذي يستدعي توفير بيئة استثمارية من أجل جذب المستثمرين وتوفير فرص عمل للأردنيين.

ولا ننسى أن رؤية التحديث الاقتصادي للأعوام العشرة القادمة لم تلبِ طموحات الشارع الأردني بأول عامين، كون الرؤية تستهدف معدل نمو اقتصادي يتجاوز الـ5 بالمئة خلال العام الواحد، إلا أن هذا الرقم لم يتحقق، وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام  2022 2.6 بالمئة وبلغ الـ2.7 بالمئة في 2023.

واليوم حكومة الدكتور جعفر حسان مطالبة بتطبيق هذه الرؤية بحذافيرها ضمن سقوف زمنية وفق ما أكده كتاب التكليف السامي، لتحقيق برامج تنفيذية واضحة تترك النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة الاستثمار وزيادة الفرص التشغيلية، وإعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والمسؤول.

    

وفي السياق ذاته، بات ملف ترشيق الجهاز الحكومي معضلة العقد الأخير الذي توارثته الحكومات المتعاقبة دون أي جدوى، ولم نشهد ترشيق أو دمج في الجهاز الحكومي بالقدر المطلوب؛ لمعاجلة الترهل الذي عاث بالقطاع العام. وفي حكومة الدكتور بشر الخصاونة تحديداً شهد هذا الملف بعض التخبط وأغلب ما أعلن عنه لم يطبق على أرض الواقع.

والتخبط بدأ عندما تم إجراء تعديل وزاري وخرجت وزير الدولة لتطوير الأداء المؤسسي التي كانت المعنية بهذا الملف، وبقيت إدارة الأداء المؤسسي في رئاسة الوزراء دون وزيراً، ليمضي فترة زمنية لا بأس بها من الوقت، ويتحمل ناصر شريدة، مسؤولية هذا الملف بصفته نائب لرئيس الوزراء ووزير الدولة لتحديث القطاع العام.

ولم يكن هذا الموقف الوحيد، بل كانت استقالة وزير العمل ووزير الدولة لشؤون الاستثمار الدكتور معن قطامين، "إثر امتعاضه واستهجانه لسحب حقيبة الاستثمار الذي وجدها الخصاونة لا مبرر منها" بحسب ما أعلن سابقاً، لنشهد بعد أشهر معدودة إقامة وزارة للاستثمار وليس حقيبة يتولى زمام امورها خيري عمرو، وعدا عن إلغاء وزارة العمل ومن ثم إعادتها بعد مطالب شعبية ونيابية آنذاك، وإلى جانب تولي وزراء حقيبتين وزاريتين لفترة زمنية بسيطة، ليتم بعدها إعادة الأمور كما كانت، وهذا ما يؤكد جلياً أن ملف ترشيق الجهاز الحكومي شابه الكثير من الأخطاء.  

وفي  إطار آخر، لابد من الإشارة إلى النقطة المضيئة التي تمثلت بالهوية الرقمية ومركز الخدمات الحكومية الأمر الذي يحتسب كإنجاز لحكومة الخصاونة ممثلة بوزير الاقتصاد الرقمي م.أحمد الهناندة، فمركز الخدمات الحكومية أسهم بالتخلص من المعاملات الروتينية في الدوائر الحكومية التي يسبب أغلبها المشقة الكبيرة للمواطن، بسبب مزاجية بعض الموظفين الحكوميين والبيروقراطية الضيقة، والأنظمة القديمة، والمسافات البعيدة.   

وبات اكمال هذا المشروع الوطني ليكون حاضراً في جميع محافظات المملكة الأردنية الهاشمية، فضلاً عن زيادة ساعات عمله، حاجة وطنية وضرورة وشيكة وملحة، وعلى رئيس الوزراء المكلف أن يأخذ هذا الأمر على محمل جد، إلى جانب استمرار الإجراءات والخطط المناطة بعملية أتمتة الخدمات الحكومية على نطاق واسع تحت مظلة حكومية موحدة. 

 

وفي الجانب السياسي، لابد من السير قدماً نحو خطة التحديث السياسية، ومعالجة الشوائب والثغرات وتعزيز نقاط القوة، وفرض الإصلاح السياسي واستمرارية التوعوية بأهمية الإشراك بالحياة السياسية والأعمال الحزبية، ودعم مجلس النواب ليكون مجلساً تشريعياً رقابياً يمتلك أفق سياسي مهم.

ولا ننسى أن مجلس النواب العشرين يضم في جعبته أقطابًا سياسية متغايرة، والأمر الذي يحول دون تكرار الأخطاء السابقة وألا يكون مجلساً شكلياً قائم على التشريع والخدمات فقط، فهنالك الكثير من المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية ولا سيما بأننا اليوم على أعتاب إدارة أمريكية جديدة. 

خارجياً، لابد من تعزيز المناورة السياسية الخارجية كما عهدناها سابقاً، كي يكون الأردن مركزاً جيوسياسياً مماثلاً لحقبات وأزمنة ومواقف كثيرة، كانت كفيلة من اكتساب الخبرات وتعزيز الدبلوماسية الفاعلة التي تبرز الوطن وتحافظ على مكانته الدولية والإقليمية، وتعلي من شأنه.

 وداخلياً، إن مجابهة الظروف العصيبة التي آلت لحالة عدم ثقة المواطن بالحكومات والمؤسسات الوطنية بسبب أخطاء متعاقبة متراكمة، تستدعي التفكير خارج الصندوق لإعادة جزء من هذه الثقة، كون الحصول على الثقة المطلقة أمر اشبه بالمستحيل، وتحقيق هذه الغاية يستدعي الفكر المؤسسي والمنهجي، غير القائم على الفزعة والمجاملة.  

ومن ناحية أخرى، ينبغي على رئيس الحكومة المقبلة عدم اللجوء للتعديلات الوزارية المبالغة فيها كما حدث مع حكومة الخصاونة، وذلك بهدف تعزيز الفكر المؤسسي وعدم الإخفاق بتنفيذ الملفات وزيادة مساحة الوقت الضائع الذي يترك فراغات لا يمكن تعبئتها إلا بعدم الإنجاز.

وفيما يتعلق بملف المياه والطاقة والبيئة والنقل والتكنولوجيا، هنالك الكثير من الأولويات التي لابد من استمرار عملية تنفيذها لترى النور منها: مشروع الناقل الوطني، والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، ورؤية الطاقة الخضراء، واستقطاب عمالقة التكنولوجيا، وبناء البنى التحتية للذكاء الاصطناعي، وتشغيل جميع المسارات المتبقية من الباص السريع وتحسين منظومة النقل، ومجابهة خطر التغيرات المناخية الذي بات خطراً عالمياً لا يمكن الاستهانة به، وإتخاذ خطوات إصلاحية بالقطاع الصحي الأردني.

 

وبشأن ملف الصحة، هناك العديد من القضايا الشائكة تنتظر وزير  الصحة الجديد لإيجاد الحلول لقضايا كثيرة منها نقص أطباء الاختصاص وعدم قدرة الوزارة على استيعاب الأطباء الجدد، وتحسين مستوى الخدمات والبنى التحتية للمستشفيات الحكومية. 

 

وفي مجالات الإعلام والثقافة والشباب، مسألة تفعيل دور وزارة الاتصال الحكومي بالشكل الصحيح تعد ضرورة ملحة ولا تستدعي المكوث طويلاً دون وجود الحل، لأن هذه الوزارة هي الواجهة الإعلامية للحكومة، ودورها  لا يقتصر على منتدى التواصل الحكومي وتدريب الناطقين الإعلاميين فحسب، فعلمية دمجها وإشراكها في المشهد الإعلامي يشكل حجر أساس لابد من وضعه في المكان الصحيح، إلى جانب ضرورة ارتفاع منسوب الحريات العامة، كون الأردن شهد نكسة في هذا الشأن لا يمكن تجاوزها.  

وعن الشباب الأردني، تواجه هذه الفئة التحديات حتى في أحلك الظروف، وهي اليوم بحاجة التمكين الحقيقي البعيد عن الوعود وضجيج الورش وما يسمى بالعمل التطوعي، هناك حاجة ملحة لتفعيل دور الشباب بالعديد من البرامج والمشاريع، وأن تكن وزارة الشباب القبلة والحاضنة لهم وألا يكون دورها مقتصراً بالمراكز الشبابية فقط، والتي بالأصل لا تقدم أي دور حقيقي.

وينبغي على الحكومة الجديدة بناء ستاد رياضي جديد يمتلك البنى التحتية ويواكب التطورات الرقمية الجديدة، كي يكون واجهة رياضية ترتقي بالمستويات المطلوبة.

وأما بالنسبة للملف الثقافي، فإن إزالة حالة الجمود والركود في وزارة الثقافة أمراً يجب أن يعي أهميته وزير الثقافة الجديد، وإلا تبقى هذه الوزارة مقتصر دورها بالمهرجانات فقط، فهناك الكثير من الأردنيين لا يرد لمسامعهم اسم هذه الوزارة إلا عند إقامة مهرجان جرش، والكثير منهم لا يعرفون معرض الكتاب على الرغم من أهميته البالغة، فالوزارة مطالبة بإعادة إحياء نفسها من جديد؛ لتعزيز مفهوم السردية الثقافية الوطنية في ظل الأفكار البالية الدخيلة التي يعاني منها العالم أجمع.

وفي نهاية المطاف، اختيار الدكتور جعفر حسان هذا السياسي  الاقتصادي المخضرم الذي يمتلك الخبرة الكبيرة والدرجات الأكاديمية المرموقة، قد يترك حالة ترقب من أجل الولوج نحو خطوات إصلاحية تتمخض عنها مرحلة جديدة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي والتنموي، يشهدها الأردن بعد حالة من الإحباط والظروف العصيبة التي كبحت جماح الأمل وقمعت الطموحات، وهمدت التطلعات لفترات زمنية طويلة، ولاسيما أن التغيير لا يرتبط بأشخاص بل بمنهج ورؤية وحكمة وقرارات مسؤولة.