المساءلة والإنجاز عنوان عمل الحكومة

 

سلامة الدرعاوي

بتكليف جلالة الملك عبدالله الثاني للدكتور جعفر حسان بتشكيل حكومة جديدة، يتضح أن هذه الحكومة لن تكون كسابقاتها، فالتكليف الملكي لم يكن مجرد توجيه بروتوكولي، بل خريطة طريق واضحة ومفصّلة تتطلب العمل الدؤوب والمسؤولية الجادة، وبدون أدنى شك، كانت المساءلة والإنجاز المحورين الأساسيين اللذين شدد عليهما جلالته في توجيهاته. جلالة الملك كان حازماً في توجيهاته بأن الحكومة الجديدة تتحمل "مسؤوليات عظيمة وثقيلة"، فهذه العبارة ليست مجرد تذكير بالمسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة، بل إنها تضع الحكومة أمام تحديات لا يمكن التهرب منها، فقد بات واضحاً أن الحكومة ليست مجرد جهاز إداري يدير الشؤون اليومية، بل هي مكلفة بمهمة وطنية محورية لتحقيق تطلعات الشعب، والتي تعتبر بمثابة العقد الاجتماعي الجديد بين الحكومة والمواطن. المساءلة ليست مفهوماً يقتصر على مساءلة الشعب للحكومة فحسب، بل هي أيضاً مسؤولية الحكومة تجاه مواطنيها، وجلالته أكد أن "نهج المساءلة للمقصرين في واجباتهم تجاه المواطن" يجب أن يكون ركيزة أساسية في عمل الحكومة، وهذا يشمل الوزراء والمسؤولين على جميع المستويات. ومن هنا يأتي وضوح المهام وقياس الإنجاز، فقد أكد جلالة الملك أن مهام الوزراء يجب أن تكون "واضحة ومحددة بأهداف سنوية قابلة للقياس"، وهذه النقطة توضح أن الحكومة لن تكون في حالة تسويف أو تأجيل للمهام، فالوقت الذي قد يُهدر في التخطيط غير المحكم أو التنفيذ المتعثر سيخضع للمراقبة الصارمة والمحاسبة الفورية، فكل وزير مسؤول عن تحقيق الأهداف المعلنة والواضحة، وإذا أخفق في ذلك، سيكون الحساب حاضراً. هذا التوجه يعكس تحولاً نوعياً في مفهوم الحكم والإدارة العامة، حيث يصبح الأداء الحكومي ميداناً للعمل الدؤوب والتخطيط الإستراتيجي الذي يمكن قياسه على أرض الواقع، فلا مزيد من الوعود الشفهية أو الإنجازات الورقية؛ بل أصبح من الضروري أن يلمس المواطن التأثيرات الإيجابية على حياته اليومية. ومن بين أهم النقاط التي أشار إليها جلالة الملك هي الاستمرار في السياسة المالية الحصيفة، فقد بات الاقتصاد الوطني بحاجة إلى توجهات واقعية تعتمد على ضبط المديونية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، شدد على ضرورة أن تكون المشاريع الكبرى، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، في مقدمة جهود الحكومة، فهذه المشاريع ليست مجرد حلول وقتية، بل هي استثمارات طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز البنية التحتية والمستقبل الاقتصادي للأردن. المشاريع الكبرى ليست فقط ضرورة لاحتياجات المواطنين، بل هي أدوات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذا، على الحكومة أن تباشر في تنفيذ هذه المشاريع بشكل يتسق مع الجدول الزمني المعلن ويتحلى بالشفافية. كما أكد جلالة الملك أن المساءلة ليست مجرد أداة عقابية، بل هي نهج إصلاحي يهدف إلى تحسين الأداء الحكومي وضمان تحقيق الأهداف المعلنة، فإذا كان الهدف الأساسي للحكومة هو تحسين حياة المواطن، فإن المساءلة هي الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق هذا الهدف. والمساءلة ليست في معزل عن الشفافية؛ لذا على الحكومة أن تكون واضحة في شرح سياساتها وقراراتها، وأن تلتزم بتقديم تقارير دورية حول ما تم تحقيقه من إنجازات، وما لم يُحَقَّق والأسباب وراء ذلك. وفي ضوء ما تقدم، فإن تكليف الدكتور جعفر حسان بتشكيل الحكومة الجديدة لا يعني مجرد تغيير في الأشخاص، بل هو بداية مرحلة جديدة من العمل الحكومي الذي يقوم على أسس واضحة من المساءلة والإنجاز، وإذا كانت الحكومة مدركة لحجم التحديات والفرص، فإنها لن تجد صعوبة في تحقيق تطلعات الشعب، أما إذا تهاونت في أداء مهامها، أو أخلت بالتزاماتها، فإن المساءلة ستكون الحاضر الأبرز.