الرئاسة لا بلح ولا عنب .

   إبراهيم ابو حويله ...

ما يشكل تحدي كبير للمؤسسة الرئاسة الجديدة والمؤسسة الحزبية الجديدة ، هو ايجاد توليفة التي تحد من القرارات التي كان لها اثر مدمر على المواطن والمستثمر والإقتصاد ، وكيفية تعطيل اثرها المدمر على القطاعات المختلفة في الوطن .

ما حدث اخيرا مع المركبات الكهربائية هو صورة واضحة للعقدة الخالدة بين القانون والنظام والتطور والحركة ، وما حدث في زمن رفع اسعار الطاقة وهروب مصانع وشركات ومستثمرين واستثمارات بالمليارات وضياع فرص ودخول وضرائب وفرص عمل لإلاف المواطنين في سبيل تحصيل بضع مئات من الملايين للخزينة ، ضاعت اصلا وفرّ هؤلاء باستثماراتهم ، وهذا ما يحدث مع هذه الضرائب فالمواطن لا ولن يشتري ، وستتوقف مصالح واستثمارات وفرص استيراد وتصدير ، وسيحدث جمود في السوق فلا بيع ولا شراء ولا بلح ولا عنب .

هل من الممكن ان تتجاوز الدولة الفردانية في صياغة مثل هذه القرارات ، وتجاوز خبرات القطاع العام التي كان لها اثر كبير في كثير من الحلول الفاشلة التي عاني منها الوطن ، وهنا لا اقول بأن كل الحلول فاشلة ، ولكن بعض هذه الحلول الفاشلة كانت دواء ثاليدومايد وتسببت بتشوهات واحداث رافقت الوطن واثرت عليه سلبا وبشكل كبير .

معضلة الدول بين الحفاظ على الدولة ونظامها وقانونها ومؤسساتها وبين السماح بتلك الحركة في الحياة ، في تلك اللحظة التي تحدث فيها الحركة في الحياة يحدث ما يستوجب الإنذار بالنسبة للدولة ومؤسساتها ، وهناك حركة تعود على الوطن بالفائدة ، وهناك حركة تساهم في ايقاف الحركة والجمود ، بين حزب العمال الذي يريد الحركة والصناعة واللاجئين ، وبين المحافظين الذي يريد مزرعة ومصنعا ويد عاملة محلية تحدث المعضلة .

وتحضر إلى الذاكرة الجمعية فورا تلك الأحداث الدرامية التي تسبب بها ذلك الموقف هنا أو تلك الحركة هناك ، خذ مثلا العقار الجديد ثاليدومايد الذي اقرته مؤسسة الغذاء والدواء الامريكية في السبعينيات من القرن الماضي ، واخذته الامهات  الحوامل وتسبب في تشوهات شديدة في الأطفال بعد ذلك ، الأمر نفسه يحدث في الكثير من الأمور .

السماح بالتطور السريع أو ضبط التطور بما يحمي المجتمع من اثاره السلبية ولكن في نفس الوقت يسمح بالتطور الإيجابي ، ان الجمود الذي تحاول الدولة الحفاظ عليه هو في عكس مصلحتها في احيان كثيرة ، وهذا ما حدث من أيام الحكم العثماني حيث حاول السلطان الحفاظ على مهنة الكتاب فسمح بالطباعة لليهود فقط ، ما ساهم في نشر ثقافة معينة وتحديد ثقافة ، وتطور فئة على حساب فئة اخرى وفي النهاية تمكنت الطباعة من التوسع والإنتشار على حساب فئة الكتاب ، وهذا ما حدث تماما مع مهنة السقاية للماء ، فقد كان الخوف من وصول الماء إلى كل بيت في مصر، من أنه سيضر بفئة كبيرة مارست هذه المهنة لعقود طويلة ، ولكن في النهاية وصل الماء وهذا حدث مع كل مهنة تقريبا .

ونعم تساهم البيروقراطية في الحفاظ على مصالح المصانع الكبيرة والشركات الكبيرة ومؤسسات الضغط ، لأنها من جهة تستفيد من البيروقراطية ، ومن جهة اخرى هي الأقدر على التعامل مع معضلات القوانين ومتطلبات الحكومات ، فالمؤسسات الفردية والصغيرة ليس لديها المرونة ولا القدرة المالية والوظيفية لتلبية متطلبات البيروقراطية ، ولذلك تصطدم مع الوضع القائم وقد تفشل الكثير منها في الصمود والتطور .

وهذا في الحقيقة يحرم المجتمع والوطن من فرص قد تكون هي المخرج من الأزمة المالية او الإقتصادية ، وحتى انه من الممكن ان يحرم المجتمع من حلول لأزمات حقيقية موجودة ، وهذا ما حدث سابقا وحاليا وسيحدث لاحقا ، وما حدث مع اختراع الكهرباء وما ارتبط بها من اختراعات ووسائل للنقلها والتيار وانواعه وتيسلا واختراعاته ، ووسائل النقل وما ارتبط بها وتطورها ووقودها قصص لا تنتهي ، ليس هنا مكان تفصيلها .

العبرة هنا هي انه مع كل تغيير وقانون ونظام واختراع وتطور هناك مرحلة ترافق هذا ، وهذه المرحلة ان تم التعامل معها وفق اسس ومعايير واضحة وتحديد سلبياتها وايجابياتها بطرق علمية قد تكون الطريق لنهضة امة ، وتحمل حلول لمشاكل عاشت مع المجتمعات ازمنة طويلة ، وان اساءنا تقيمها قد تكون مثل السماح بذلك الدواء ثاليدومايد .

ولذلك لجأت المؤسسات العالمية إلى المعيارية في التعامل مع الأمور ، ومحاولة وضع ميزان دقيق لقياسها وقياس اثرها وفائدتها وايجابياتها وسلبياتها وبالتالي السماح بها او منعها ، نعم تساهم المعيايرة في الحد والسيطرة على هذه الظاهرة ولكنها لا تتخلص منها نهائيا ، لأنه كما اشرنا بأن المتغيرات كثيرة والمحددات كثيرة والعنصر البشري مهم .

بين السماح والمنع وبين التطور والجمود وبين المجتمعات الحية الديناميكية وبين المجتمعات الجامدة يقف قانون ومنفذ قانون ، هي تماما تلك القدرة على رؤية الفرصة وادارك الخطورة بالإستعانة بالمعايير والقوانين والأنظمة ، وهنا يحدث السحر في الوصفة ، البعض يستطيع ان يوظف ذلك في سبيل المصلحة العام والبعض يوظف ذلك لأجل هدف شخصي او مصلحة فئة على حساب المجتمع .

ما حدث اخيرا مع المركبات الكهربائية هو صورة واضحة لهذه العقدة ، وما حدث في زمن رفع اسعار الطاقة وهروب مصانع وشركات ومستثمرين واستثمارات بالمليارات وضياع فرص ودخول وضرائب وفرص عمل لإلاف المواطنين في سبيل تحصيل بضع مئات من الملايين للخزينة ، ضاعت اصلا وفرّ هؤلاء باستثماراتهم ، فلا بلح ولا عنب .

خذ ما تم من تعديل كودة بناء المدارس الحكومية والخاصة حديثا وفي عهد هذه الحكومة ، هل من المعقول ان تكون غرفة صفية في القرى والمحافظات القريبة والبعيدة فضلا عن عمان الغربية ثمانية وستين مترا ولا يسمح إلا بوضع خمسة وعشرين طالبا فيها ، هل تم حساب اثر التدفئة والتبريد والسيطرة من قبل المعلم والصوت والضوء والطاقة والتكلفة للإنشاء والأصول ومساحة الأرض المتاحة في المملكة والقابلة للعمران ، هل من المعقول ان تكون المختبرات بحدها الأدنى خمسة وسبعين وتصل إلى مائة متر للمختبر الواحد ، كم ستصل تكلفة الطالب في هذه المدارس الخاصة ، وكم مواطن يستطيع دفع رسوم مرتفعة بهذا الشكل حتى يستطيع المستثمر تحصيل ما تم دفعه بصرف النظرايضا عن الكلف التشغيلية والزيادات الخمسة بالمائة المفروضة سنويا وهذا ما لا تفعله الحكومة نفسها ، وعن منعه من رفع الرسوم الا من خلال اجراءات معقدة ، وهذا غيض من فيض يطال معظم القطاعات الإستثمارية في الوطن .

المطلوب من الحكومة الجديدة ، خلوة حقيقية مع عقول ومؤسسات القطاع العام والخاص ، ولدينا مؤسسات تجارية مثل غرف التجارة والصناعة ولدينا خبرات وكفاءات لا يتم استشارتها ، وان تمت الإستشارة تكون من باب فضول القول ولا ياخذ بها حسب ما رشح عن اكثر من رئيس غرفة ونقيب ومؤثرين في القطاع الخاص ، لم نتجاوز عقدة موظف القطاع العام وسيطرته المطلقة على صياغة وتنفيذ القرار وكانت النتائج تشوهات وكوارث نعاني منها يوميا .

فهل تعي الحكومة الجديدة الدرس وتفتح تلك الأبواب المغلقة التي طالما طالبت مؤسسة القصر وصاحب الجلالة بفتحها ، وتعمل على تعديل التشوهات التي احدثتها الحكومة السابقة . 
كلنا أمل بذلك ...