البراري يكتب: الانتخابات بين سلطة الناخب وسلطة القانون

   كتب: هزاع البراري ( أمين عام وزارة الثقافة الأسبق)

المتأمل لمجريات الانتخابات البرلمانية الأخيرة ومخرجاتها، لا بد أن يقف عند حقائق بيّنة تستحق الإشادة وملاحظات أساسية تستوجب التوقف والتحليل، وهذا وذاك كلاهما يصب في مصلحة مسيرة التحديث السياسي المنشود، فمن الحقائق التي توضحت للجميع هي سلامة اجراءات العملية الانتخابية وسلاستها، والأهم مصداقيتها العالية وما تمتعت به من قبول ورضا حتى ممن لم يحالفهم الحظ سواء قوائم محلية أو حزبية عامة، وورود بعض الملاحظات هنا وهناك ناتجة عن سوء استخدام الناخب، أو محاولة بعض المترشحين استخدام المال الأسود، إلا أنها وجُهت بإجراءات جيدة عند توفر الدلائل والمعززات، وتبقى مثل هذه المخالفات في عهدة القضاء، لكن العملية سارت وفق معايير عالية وبشهادة المراقبين الدوليين، وكما أن نسبة الاقتراع مقبولة وأعلى من سابقتها، وهذا أيضا يعد من المؤشرات الإيجابية.


فعلى صعيد القوائم المحلية، فقد أفرزت اكتظاظا مربكا، بل ومعيقا أحيانا مع بروز ما يسمى بـ ” الحشوات ” مما سمح للمال الأسود إلى التسلل داخل القائمة المحلية، من شراء الأصوات إلى شراء المترشحين، أو دخول مترشحين دون قواعد انتخابية، مما أدى إلى حالة من النفور لدى الناخب، ناهيك عن حرمان المترشح المحلي صاحب القاعدة الانتخابية والمتحصل على رضا الناخب من الترشح المباشر، وإجباره على تشكيل قائمة محلية ضمن اشتراطات القانون، ومعروف من الخبرة وواقع الحال أن الوصول إلى العتبة والحالة هذه ليس باليسير، والناخب غالبا ما يرغب بمترشح لكنه غير راضٍ عن القائمة.


فنجد مترشحين نالوا أعلى الأصوات في دوائرهم ولم تصل قائمتهم إلى العتبة، بالتالي نحج من حصل على عدد أصوات أقل، وهذا فيه ظلم لصوت الناخب كما فيه ظلم للمترشح الحائز على أعلى الأصوات في دائرته، ما دام أننا نتفق أن السلطة في الانتخابات هي للناخب، فيجب أن يشعر الناخب أيضا أن نائبة جاء استجابة لأكثرية الأصوات، وأن لا تكون القائمة جدارا في وجهه، علما أن معظم من حقق النجاح هو مترشح واحد في القائمة على الأغلب، وأن معظم من في القائمة وكأنهم جاءوا لتشريع فوز أحدهم أو اثنين منهم في أحسن الأحوال!

أما ما يتعلق بالقوام الحزبية العامة، ففيها تغييب لجزء كبير من سلطة الناخب، وظهر أن سلطة الحزب أكبر وأعلى من سلطة الناخب، وهذا مغاير تماما لجوهر الديمقراطية، عندما اختزلت سلطة الناخب باختيار القائمة الحزبية فقط، دون حق اختيار من يراه الأنسب له من مترشحين داخل القائمة التي قد تصل إلى 41 مترشحا، ومعلوم أن من شبه المستحيل أن تحصل قائمة حزبية واحدة على جميع هذه المقاعد.


كما أن ترك قرار ترتيب القائمة للحزب، سمح أحيانا لمحاولات استنساخ سلطة المال الأسود، على شكل شراء التريب داخل القائمة تحت مسميات تبرعات أو هبات أو خلافه، مما أضعف ثقة الناخب، وسط حالة من اللغط والاشاعات وبعض الحقائق، علينا أن نعيد السلطة كاملة للناخب في انتخاب القائمة والمفاضلة بين مترشحي القائمة نفسها، مما يؤكد على العدالة، وأن لا يكون الناخب وهو الركيزة الأساسية في العملية الانتخابية تحت سلطة الحزب – أي حزب – في تحديد من يمثله تحت قبة البرلمان، ومن حق الحزب أن يطرح مرشحيه كما يتفق مع رؤاه وتوجهاته، ومن حق الناخب أن يفاضل ويختار الأفضل له، بذلك يصبح المسار أكثر استقامة وأقصر مسافة في الوصول إلى الهدف المنشود.