جعفر حسان حالة مختلفة

 

سامح المحاريق
لا أعتقد أنه توجد أي صداقة من أي نوع بيني وبين جعفر حسان، وما أنا متأكد منه أنه من الصعب أصلًا أن نتفق على شيء، كتبت عنه بصورة لاذعة مرتين، ولقاؤنا الوحيد لم يكن وديًا، وإن حاولنا تلطيفه ووضعناه في صورة دبلوماسية، بوصفنا خريجي معهد واحد مع فرق الدرجة العلمية والزمن، وأنه تمتع بالموقع القديم على بحيرة جنيف، بينما كنت أدرس في وسط البلد في المبنى الجديد! وبالنسبة لآرائه الاقتصادية فالمؤكد وجود خلافات عميقة في المنطلقات أساسًا.

ولكن أجد نفسي مضطرًا للكتابة لإطلاق مقولة هارفرد في التعريض لكونه نسخة ثانية من الرزاز، وذلك ليس صحيحًا ولا دقيقًا.

رفضت أن يقارن حسان بالرزاز لسبب مهم جدًا،  وهو أن حسان هو ابن الحالة الأردنية بكل تفاصيلها، ويعرف المشكلات والتحديات، أما الرزاز فبقي سائحًا، وكان مشتتًا، فمرة هو المصلح الاجتماعي الذي يتولى وزارة التربية والتعليم وكأنه يرتدي عباءة طه حسين، وآه لو أدرك كم هي فضفاضة عليه، ومرة، اقتصادي خبير، مع أن خبرته تفكيكية، فهو تولى مهامًا مع البنك الدولي للتحول ولم تستكمل إلى إعادة بناء نماذج جديدة، كما وكتب تقريرًا عن التخاصية وكأنه طبيب عام يقدم وصفة لبعض الرشح، ولم يتعامل بجدية مع الموضوع ليتطرق للتكاليف الاجتماعية، ولم يتفضل مطلقًا بأن يشمر عن يديه وأن يمدها تجاه التفاصيل حتى لو ارتدى القفازات، إن كان يرى أن الوضع لا يتناسب مع حواسه الموتسارتية المرهفة.

جعفر حالة مختلفة فهو نشأ في أجواء ليست بعيدة عن الأردنيين من الطبقة الوسطى، ومع أنه من أسرة ثرية نسبيًا، إلا أن فترة وعيه لم تكن تشهد الفوارق المريعة بين الأردنيين، ولديه حساسية للاقتصاد السياسي والاجتماعي، نختلف حولها، ولكنها موجودة، وربما لا أبالغ لو قلت أن جعفر يستطيع أن يقدم الكثير وأن يضع شيئًا ملموسًا أمام الأردنيين لو تمكن من توفير التمويل اللازم لتشغيل المحرك! هذه هي المشكلة، فالاقتصاد في الأردن منذ أزمة الكورونا يعمل بوضعية reactionary  وما يحدث هو تجميع للـ residuals  من مرحلة لأخرى، تلبيس طواقي إلى حد ما، ولتجنب الفذلكة، فترجمة الكلمة الأولى هي رد الفعل، والترجمة للثانية الأجزاء المتبقية، وهي ترجمة ليست دقيقة ولا ذات معنى على أية حال، ولنقربها لحضراتكم، فالأردن يشبه في هذه المرحلة شخصًا يبحث عن بقايا سجائره وما زال قادرًا على توفير النيكوتين لجسمه!

قبل اللوم، فلا أحد يعرف التكاليف المباشرة والضمنية التي تحملها الأردن في الأعوام الأخيرة، ولا أعتقد أن أحدًا يمكنه أن يتهم أي شخص بالفساد في آخر خمس سنوات لأن بنود الموازنة العامة كانت متقلصة بصورة مضحكة أحيانًا، وعليكم بمراجعة تفاصيل موازنة وزارة الأشغال في السنوات الأخيرة، والقصة وما فيها، أن المعادلة أصبحت مكلفة للغاية.

(بالمناسبة، حتى تقرير ديوان المحاسبة لا يقدم تعريفات للفساد فيخلط بين الأعمال الجرمية الواضحة، وبين مفهوم الفساد القائم على أساس المنصب السياسي، أو الحكومي الذي يفترض أن يكون سياسيًا، ولذلك لا أحد يحمل التقرير على محمل الجد!)

يحتاج حسان، وفقًا لتحليلي لفكره إلى أربعة مليارات دولار لو توفرت له بصورة هامش إضافي عن مواجهة جميع التكاليف، فأعتقد أنه سيكون الشخص المدهش والذي سيغير الصورة الذهنية عن السياسيين في الأردن.