الانتخابات الأردنية: تصويت احتجاجي يعيد ترتيب المشهد السياسي
كتب: سامي الحربي
أثبتت الدولة الأردنية قدرتها الكبيرة في إدارة المشهد الانتخابي بأعلى مستويات الشفافية، حيث تركت للناخبين حرية كاملة للتعبير عن إرادتهم. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار المعلم الأردني "العنصر الخفي" الذي حرك كفة الانتخابات لصالح جماعة الإخوان المسلمين. فقد لعب دورًا محوريًا في الدفع نحو ما يمكن وصفه بـ "التصويت الاحتجاجي"، حيث جاءت النتائج كإجابة شعبية واضحة ضد بعض
الشخصيات التي حاولت فرض سيطرتها على الساحة السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المصطلح، الذي أطلق عليه البعض "التصويت العقابي"، ورد عبر أحد منشورات نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة، للتعبير عن هذه الظاهرة الشعبية.كانت جماعة الإخوان المسلمين الأكثر ذكاءً في التقاط رسائل المعلمين والناخبين بشكل عام، واستطاعوا استخدام ما يجري في غزة كعنصر دعم استراتيجي
في مواجهة بعض القوائم الحزبية المنافسة. فقد عمدوا إلى "الهندسة المضادة"، مُحسنين بذلك موقعهم في المعركة الانتخابية. هذه الهندسة المضادة مكّنتهم من اختراق الترتيبات التقليدية لبعض القوائم الحزبية، مما عزز موقعهم ليس فقط كتيار سياسي، بل كقوة تعكس نبض الشارع والتحديات الداخلية والخارجية.في هذه الأجواء، وجد المواطن نفسه في موقف حاسم أمام ورقة الاقتراع. لقد
أضحت تلك الورقة مساحة مفتوحة للتعبير عن رأيه وموقفه من الأحداث المتراكمة على مر السنوات الماضية. في حين كانت الدوائر المحلية ساحة لضغوط متعددة، وفرت الدائرة العامة متنفسًا أوسع حيث تمكن المواطنون من اختيار ممثليهم بحرية أكبر ودون قيود تُذكر.ومع ذلك، لا يجب أن تمر هذه النتائج دون استيعاب للدروس المستفادة. على الدولة أن تدرك أن ضمان حرية الاختيار يحل جزءًا من التحدي،
بينما يتمثل الجزء الآخر في ضرورة اختيار رئيس وزراء قادر على تلبية متطلبات المرحلة المقبلة. نحتاج إلى قيادة سياسية تتفهم أهمية احترام الرأي الآخر، وترى في التعددية قوة دافعة، بدلاً من التشكيك في شرعيتها. رئيس وزراء يمتلك القدرة على التحليل العميق للأفكار المختلفة، ويبحث عن حلول عملية تنقل البلاد إلى مستوى جديد من النضوج السياسي.لقد أضعنا أربع سنوات في سياسات
عقيمة، وها نحن الآن أمام لحظة وطنية فارقة تتطلب إعادة ترتيب الأوراق والعمل على بناء رؤية وطنية جديدة تُترجم من خلال القيادة السياسية القادمة.أهمية هذه النتائج في ظل خريطة التحديث السياسيتأتي نتائج هذه الانتخابات في ظل مشروع التحديث السياسي الذي تقوده الدولة الأردنية، وهو مشروع يهدف إلى بناء منظومة سياسية أكثر شمولية واستجابة للتحديات المعاصرة. إن الخريطة
السياسية الجديدة تفرض على الجميع إعادة النظر في أسس العمل الحزبي والمؤسسي بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والدولية. ما شهدته الانتخابات من مشاركة شعبية واسعة وحرية في الاختيار يعكس نضوجًا سياسيًا لدى المواطن الأردني، مما يجعل هذه المرحلة نقطة تحول يجب استغلالها بذكاء.أهمية هذه النتائج تكمن في توظيفها لتعزيز مشروع التحديث السياسي. فمع تزايد وعي الناخبين
وقدرتهم على التعبير عن رأيهم بحرية، يجب على القيادة السياسية أن تقدم برامج إصلاحية واقعية تتجاوب مع تطلعات الشارع. يجب أن تستثمر هذه الإرادة الشعبية في تطوير الأحزاب السياسية، وإتاحة مساحة أكبر للمجتمع المدني ليكون شريكًا فاعلًا في رسم ملامح المستقبل.في هذا السياق، من الضروري أن تدرك الدولة أهمية التعامل مع هذه المرحلة بجدية، من خلال تعيين رئيس وزراء قادر على
العمل بمرونة وتفهم للرأي الآخر، سواء في الدوائر المحلية أو العامة على حد سواء. فقط عبر هذا النهج، يمكن للدولة أن تلتقط الفرصة التاريخية التي أتاحتها هذه الانتخابات، وتبدأ في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وتنمية.