اربيحات يكتب: انتخابات المجلس العشرين: “الفائزون والخاسرون “

  د. صبري اربيحات

فيما يشبه الحلم، مر الأردنيون بالعاشر من سبتمبر وأيديهم على قلوبهم، خشية أن لا تأتي الرياح كما نريد جميعًا، كمواطنين ودولة ومراقبين. لقد خشينا أن لا يكون التوقيت مناسبًا، وخشينا أن لا يُقبل الناس على العملية. واعتقدنا أن المال الأسود سيستغل حاجات الناس وضيق الأحوال المعيشية، ويهيمن على كل شيء ليحسم النتائج لصالح من قد يختارون شراء ذمم الفقراء.

دخل البعض في لعبة المفاضلة بين الأحزاب وتصنيفها بين وطنية وإيديولوجية، وأحزاب مستقلة في أحكامها وأخرى تكيفها مع السياسات العامة للدولة. وقد قال بعض المدعين إنهم يعرفون النتائج قبل أن تجري الانتخابات، وإن فلانًا قد قال لهم وعلانًا قد همس في آذانهم… بعض هؤلاء أقسم أنه اطلع على قائمة المبشرين بالمقاعد، فضربوا معنويات من حولهم وشككوا في نزاهة من يدورون في أفلاكهم.


بالمقابل، كانت الهيئة المستقلة تحاول جاهدة أن تطمئن الجميع وتزرع الثقة. كان رئيس المفوضين يتكلم بلغة واضحة تساندها الإجراءات والبيانات التي تقول إن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة، وإنه لا شيء سيمنع من تطبيق القانون على كل من يجرؤ على العبث بإرادة الناخبين أو يتجاوز حق الغير في الاختيار الحر بأي من الوسائل. كانت كل التصريحات على المحك؛ يستقبلها البعض بشيء من الحذر، ويقول البعض الآخر: لقد سمعنا مثل هذه التصريحات في السابق، لكنها لم تمنع التجاوزات.


كان الغالبية يظنون أن الأحزاب التي قالت للناس إنها خيارات المرحلة ستتقاسم المقاعد المخصصة للدائرة العامة، وأن حزب جبهة العمل سيُعطى بضعة مقاعد، لكنه لن يصل إلى ما سيحصل عليه حزبا الميثاق وإرادة باعتبارهما حزبي النخبة الواصلة. كان الكثير من النواب والوزراء والجنرالات السابقين الذين أُلحقوا بصفوف هذه الأحزاب يعملون تحت هذه القناعة، وقد جرى إقناع بعضهم بالترشح في دوائر محلية، بالرغم من أن هؤلاء الشخصيات لا يشعرون بدافعية حقيقية للترشح.

لقد أثبتت دوائر صنع القرار هذه المرة، وكما فعلت مرارًا، براعتها وحكمتها، فوفرت أجواء وبيئة مريحة، وزجت بقوى كبيرة في العملية لحماية إرادة الناخبين، وأتاحت للجميع أن يعبروا عن خياراتهم بدقة وحرية وموضوعية. وتوافد على مراكز الاقتراع ما يزيد على مليون ناخب، وبنسبة وصلت إلى ما يزيد على ٣٠٪. وأشرفت الهيئة المستقلة للانتخابات على العملية بحرفية أتاحت للجميع أن يدلي بصوته وينتظر عمليات الفرز للتحقق من افتراضات غامضة اعترت وجدان البعض منا.


صباح اليوم، ونحن نطالع النتائج الأولية، تبدلت كل الشكوك بيقين أن في هذا البلد خيرًا، ورجالًا يصدقون ما عاهدوا الشعب عليه، ويعملون بأمانة وتجرد، ليكشفوا زيف ما يفبركه البعض من أقوال وادعاءات تسيء للأجهزة والمؤسسات.

ما في “طنجرة” الأردن من آراء ومواقف وقضايا أخرجته مغرفة الانتخابات. لقد اختار الأردن من بين أبنائه المترشحين من اعتقد أهلنا أنهم الأقدر على حمل المسؤولية، وحماية المصالح، وتشخيص التحديات في هذا الوقت العصيب.


الفائز الاول في الانتخابات هذه المرة كانت الدولة الاردنية بكافة أجهزتها ومؤسساتها والفائز الثاني كان حزب جبهة العمل الاسلامي الذي خرج من كونه حزب اقلية لا صوت يسمع له الى الحزب الاكثر حضورا ..


الخاسرون في هذه الانتخابات هم كل الذين بثوا الإشاعات، وقالوا إنهم مدعومون، وأنهم تلقوا الضوء الأخضر، والذين افتروا على المؤسسات وروجوا أنهم يحبون الوطن أكثر من غيرهم، لذا فهم أصحاب الحق وغيرهم شياطين.

الأردن يثبت مرة أخرى أنه للجميع، وليس للأنسباء والأقرباء والشلل والجماعات التي تمضي وقتًا طويلًا في اختلاق روايات لتضحيات وهمية قاموا بها ولم يقم بها غيرهم. الأردن رحب، وجميل، وواسع، ومحب لنا جميعًا، وأتمنى أن يبقى كذلك، وأن لا تختلف شلة أو جماعة أو جهة فتقصي غيرها وتحتكر كل ما فيه بحجة الحب المصطنع.