مطلوب لوثر عربي الآن وليس غدا

حسني عايش

قال لي صديق مسيحي جنوبي عزيز مرة إنه يطالب الكنسية بفصل العهد القديم (التوراة) عن العهد الجديد، وجعل الكتاب المقدس مقصوراً على هذا العهد. وطلب مني صديق مسيحي شمالي عزيز أن أدعو العربية المسيحية بما في ذلك القبطية إلى فصل العهد القديم من الكتاب المقدس وقصره على العهد الجديد أو الأناجيل. أما صديقي المسيحي العزيز في الوسط فكان متردداً.

 

إن العهد القديم أو التوراة اليهودية ليست كتاب دين يحتوي على مبادئ وعبادات وطقوس، بمقدار ما هو كتاب تاريخ للحروب والمجازر التي ارتكبها اليهود القدماء في فلسطين في الماضي، والتي بلغ عددها (155) مجزرة/ هولوكست كما فصلها بالنص الخاص بكل منها في التوراة الأستاذ ستيف ويلز من جامعة هارفارد في كتابه (Drunk with Blood, God Killings in the Bible, 2013) كانت نتيجتها قتل نحو ثلاثة ملايين (2,821,364) بني آدم كنعاني وفلسطيني حسب احصاءات التوراة، وخمسة وعشرين مليوناً حسب تقدير الباحث بمقدار ألف لكل مدينة أبيدت لم تذكر التوراة عدد القتلى فيها.

لا أريد أن اتحدث علناً عن أمور أخرى تعرفونها في كتاب التوارة ولكنه الكتاب الذي يؤمن به اليهود مطلقاً والمسيحيون كذلك حتى الآن، فما يؤمن به المرء أو الناس ويتعبدونه حقيقي، وها هم (اليهود) يكررون ما جاء فيه حرفياً ضد الشعب الفلسطيني وبخاصة في قطاع غزة والضفة والقدس الآن. وعليه يجب أن تكون التوراة شاهداً عليهم.

واليهودية لا تعترف بالمسيحية، فقد أنكر اليهود المسيح وأجبروا الحاكم الروماني بيلاطس على صلبه صارخين: أصلبه. اصلبه، فقال: إنني بريء من دم هذا البار، فصرخوا في وجهه: دمه علينا وعلى أولادنا (انجيل متى: الإصحاح السابع والعشرون: الآيات: 24 -25).

وإذا كان الرب (يهوه) أعطى موسى الناموس/ الشريعة، أو الوصايا العشر (البابلية) فإنه يمكن نقلها إلى الإنجيل ووضعها بين قوسين، استجابة لقول -المسيح له المجد- جئت لأكمل الناموس، ولكن المسيح – له المجد - لم يتقيد به في عظمته العظيمة على الجبل، قال: «وسمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن» (سفر الخروج/ الإصحاح الحادي والعشرون / الآية 24)، أما أنا فأقول: «لا تقاوموا الشر بمثله، بل من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الخد الآخر، ومن أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك فاترك له رداءك أيضاً، ومن سخرك أن تسير ميلاً، فسر معه ميلين، من طلب شيئاً فأعطه . ومن جاء يقترض فلا تردده خائباً» (إنجيل متى : الإصحاح الخامس: الآيات 38-42).

لقد خضعت الكنيسة المسيحية لضغوط اليهود عليها وأجبروها على تجاوز تلك العبارة المدينة لهم عبر التاريخ (دمه علينا وعلى أولادنا) فلماذا لا تقوم المسيحية العربية بما في ذلك القبطية بخطوة الفصل وتقديس الكتاب (العهد القديم) منفصلاً / مستقلاً عن العهد الجديد كتقديس المسلمين الحديث منفصلاً عن تقديس القرآن. لو تفعل لهزت الغرب المسيحي المزدوج المعايير، ولأجبرته على النظر بصورة صحيحة إلى ما تقوم به إسرائيل حسب العهد القديم من مجازر وإبادة جماعية في غزة والضفة والقدس. أما الدافع الثاني للفصل فهو الاضطهاد المستدام الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين المسيحيين لتفريغ القدس وفلسطين منهم، لتجعل الصراع يبدو مسيحياً إسلامياً بغيابهم.

توجد الآن ثلاثة أديان مسيحية مختلفة هي الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والبروتستنتية وطوائف شتى في إطارها، والمزعج ان الكنائس الإنجيلية/ البروتستنتية في امريكا صهيونية ويوجد لها سفارة مسيحية عالمية في القدس تمّول انشاء المستعمرات/ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وتهويد القدس، وكأن هذه الكنائس دولة ولها سفارة هناك (أنظر في كتابي: أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية (ص 67-80)، 2010).

يرد أحد قادة المسيحية على ادعاءات السفارة المسيحية العالمية بما يلي: لقد جعلت السفارة المسيحية العالمية ألوهية المسيح تابعة للأيدولوجية الصهيونية السياسية الحديثة. لقد قال المسيح في إحدى عظاته: «إنك لا تستطيع أن تخدم سيدين في وقت واحد». لا يمكن لأحد أن يكون عبداً لسيدين (انجيل متى / الإصحاح السادس / الآية 26، وانجيل لوقا / الإصحاح السادس عشر/ الآية 13).

وعليه أفتقبل الديانة المسيحية الانفصال فيما بينها، ولا تقبل الانفصال عن التوراة اليهودية؟ إن المسيحية بحاجة إلى لوثر عربي يقوم بهذا الفصل والآن، والمعركة حامية الوطيس، ويصحح التاريخ.