برامج الأحزاب الاقتصادية
سلامة الدرعاوي
مع اقتراب أول تجربة حقيقية لتحشيد الأحزاب في الانتخابات، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل ستتمكن هذه الأحزاب من تقديم برامج قابلة للتنفيذ؟ وهل ستظل الانتخابات ساحة للشعارات الجوفاء والوعود الزائفة التي لا تعكس أي إدراك للواقع؟ وهل تستوعب الأحزاب، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، فالبلاد بحاجة إلى حلول حقيقية، وليس إلى مزيد من الخطب التي تلعب على مشاعر الناس، دون أن تقدم لهم أي رؤية واضحة لتحسين حياتهم. المواطن اعتاد في الدورات الانتخابية السابقة أن يبدأ المرشحون في الترويج للأحلام الكبيرة والمثالية دون أي خطط فعلية على الأرض، فهذا النهج ليس فقط غير فعال، بل يساهم في تعميق الإحباط الشعبي، ومع أول تحشيد حزبي كبير في الانتخابات، يتعين على الأحزاب أن تدرك أن التحديات التي تواجه البلاد ليست مجرد شعارات يمكن استخدامها لكسب الأصوات، بل هي مشاكل حقيقية تتطلب استجابات ملموسة، فكيف يمكن للأحزاب أن تتوقع كسب ثقة الناخبين وهي لم تثبت بعد قدرتها على تحويل وعودها إلى أفعال؟ إذا كانت الأحزاب تعتقد أن مجرد التحدث عن البطالة أو الفقر أو الفساد يكفي لتحشيد الدعم الانتخابي، فإنها مخطئة، فالناخبون لم يعودوا يثقون بالكلمات الفارغة، بل ينتظرون خططًا حقيقية ومدروسة. والسؤال الأهم هنا: هل ستتوقف الأحزاب عن لعب دور المتفرج والانتقال إلى دور الفاعل الحقيقي في العملية السياسية؟ أم ستظل متشبثة بخطابها الشعبوي الذي يعتمد على الوعود الكبيرة التي لا يمكن تحقيقها؟ مع استمرار هذا الأسلوب، لا يمكن للأحزاب أن تتوقع بناء ثقة حقيقية مع الشارع. وفي هذا السياق، تأتي دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتضع الإصبع على الجرح، فالدراسة كشفت أن 81.6 % من الأحزاب قد أدرجت عناوين اقتصادية في برامجها الانتخابية، ولكن معظم هذه البرامج لم تتجاوز الشعارات العامة. وهنا يجب أن نسأل: ما الفائدة من إدراج عناوين اقتصادية إذا لم يكن هناك خطط تنفيذية حقيقية؟ إذا كانت هذه الأحزاب عاجزة عن تقديم حلول عملية، فما الذي يمكنها تقديمه بعد الانتخابات؟ الخوف ان الفجوة بين ما تُعلن عنه الأحزاب وما تُنفذه على أرض الواقع سيكبر بعد الانتخابات، وتُضعف الثقة بها بشكل متزايد. تكرر الأحزاب نفس الأخطاء، من حيث خطب كبيرة، ووعود براقة، ولكن عند الحديث عن التفاصيل والخطط العملية، يتبين أنها لن تقدم شيئًا، فهل سيظل هذا النمط مستمرًا في الانتخابات المقبلة؟ وإذا لم تراجع الأحزاب نفسها، وتغير أسلوبها في التحشيد، فإنها ستجد نفسها تفقد المزيد من الدعم الشعبي، فالناس لا يبحثون عن المزيد من الشعارات، بل يريدون برامج حقيقية تُحسن حياتهم اليومية، وتُعالج التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها. إن الانتخابات القادمة ليست مجرد فرصة لجمع الأصوات، بل هي اختبار حقيقي لجدية الأحزاب وقدرتها على تقديم برامج واقعية، فالأحزاب التي ستتجاهل الواقع، وتقدم وعودا غير قابلة للتنفيذ ستجد نفسها خارج المعادلة السياسية في المستقبل القريب، وعلى هذه الأحزاب أن تتساءل: كيف يمكنها أن تُحدث فرقًا حقيقيًا؟ وكيف يمكنها أن تقدم حلولًا قابلة للتنفيذ عوضا عن الاعتماد على تكرار نفس الشعارات التي سئم منها الناخبون؟ وفي النهاية، الانتخابات المقبلة ستحدد ما إذا كانت الأحزاب قادرة على النهوض بدورها السياسي والاقتصادي أم ستظل مجرد أدوات لتعزيز الخطاب الشعبوي، وإذا لم تتمكن من تقديم خطط اقتصادية واجتماعية مدروسة وواقعية، فإنها ستظل عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب، فالسؤال الذي يظل مطروحًا هو: هل ستكون الأحزاب على مستوى التحدي؟ أم أنها ستظل عالقة في دوامة الشعارات والوعود غير الواقعية؟