تلك العلاقة بين الصحفي والسياسي
مالك العثامنة
الصحافة لها أصولها وأدواتها، وهي مهنة تتطلب احترافا ومعرفة والكثير الكثير من المتابعة وسعة الاطلاع.
لكن كل هذا لا قيمة له بدون حجر الأساس في العمل الصحفي كله، ونعني المعلومة، فالمعلومة هي الأساس الذي يتم البناء عليه.
وفي العصر الذي نعيشه، صارت الصحافة بحد ذاتها أداة سياسية لتمرير المعلومات او تسريبها خدمة لمصالح وأجندات إما الدول او جهات معينة ذات مصالح.
إذا، نحن أمام طريق مفتوح باتجاهين بين السياسي والصحفي، مع إدراك الفارق بين عمل كل منهما.
في الأردن، نحن أمام حالة مشوهة بالكامل: الصحافة مهنة مخترقة لكل من لا يجد عملا أو مهنة، والنخب القيادية تمتهن السياسة بلا أي مقومات سياسية تتعامل مع الصحافة والإعلام بحرفية.
كل ما يحدث عندنا ليس أكثر من حديث صالونات غيبة ونميمة غالبا، وآخر من يحضرها مسؤول "عامل"، ومعظم من لا مهنة لهم ولا ومعرفة ولا خبرة يكونون فيها باسم "إعلاميين".
القصة تحمل جانبيها من القصور: يمكن طبعا تفهم حذر المسؤول "رفيع المستوى" من المشهد الصحفي المهترئ الذي تعيشه الصحافة الأردنية، لكن المسؤول بكل رفعة مستواه يفترض أنه قادر على الفرز بين المهني الحقيقي الذي يعرف أصول المهنة وبين مدعيها من ثرثاري الصالونات ومتسلقي المراتب الاجتماعية. هذا اذا افترضنا أن المسؤول يعي ويدرك أهمية الإعلام الحقيقي كرافع من روافع الدولة متكاملة العافية، ودور الصحافة "المسؤولة" في رفد مهمة السياسي والإضاءة عليها. وحين نقول صحافة مسؤولة فهي التي يحدد مسؤوليتها الجسم الإعلامي نفسه لا الرقيب المناوب ما غيره.
الجانب الآخر من القصور هو في الإعلام الأردني نفسه، وهذا موضوع شائك وطويل ومتراكم الأزمات كما الخيبات، ومع كل ذلك فإن أساتذة من الصحفيين والكتاب "الحقيقيين" قادرون على أن يثبتوا ذاتهم خارج كل إطار الخيبة الذي يغلف المشهد الصحفي كله، وتمييزهم لا يحتاج كثيرا من التمحيص لمعرفتهم والاستفادة من خبرتهم ومهنيتهم لخلق حالة إعلامية صحية مع المسؤول "أيا كانت رفعة مستواه".
لا أتحدث هنا عن قضايا محلية ودور الأساتذة مندوبي المحليات في تغطيتها، فهم يقومون بوظائفهم بشكل مثالي وجيد، لكنني أتحدث عن التغطية السياسية العربية والإقليمية والدولية، والتي نعاني من قصور مرعب فيها بتوضيح وجهة نظر الدولة أو الموقف الرسمي بالحد الأدنى منه، خارج التصريحات الرسمية المقتضبة والعمومية في لغتها.
الصحفي "المحترف طبعا" يعرف ماذا يسأل، وسؤاله مبني على خبرة متراكمة ومتابعة وقراءات وكثير من التواصل، لذا يكون سؤاله مهما في إعلامه المحلي لتوضيح الملتبس في المواقف، وتلك الالتباسات اذا استفحلت فهي تعكس قصور الدولة، كما أن المسؤول "بكل رفعة مسؤوليته" حين يتلقى السؤال فعليه أن يدرك أن التوضيح والإجابة على أسئلة الصحفي الموثوق بالمهنية والمعرفة في المعالجة الصحفية السليمة تسد باب التضليل والإشاعات التي تأكل من رصيد الموقف الرسمي نفسه.