شيء من الوضوح
يعقوب ناصر الدين
بالرغم من أن الأردن ليس شريكا مباشرا في المفاوضات الدائرة بشأن صفقة تبادل للأسرى بين حماس وإسرائيل إلا أنه مطلع على أدق التفاصيل المتعلقة بتلك الصفقة والمرتبطة بمجمل الوضع القائم في المنطقة، الذي يمتد إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وايران، وتكفي الإشارة هنا إلى الاتصالات التي يتلقاها أو يجريها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي مع الأشقاء في مصر وقطر، ومع الجانب الأميركي، إلى جانب الاتصالات الأخرى على المستويين الإقليمي والدولي لنعرف حجم الحضور الأردني في هذه المسألة المفتوحة على احتمالات كثيرة.
يبدو الوضع معقدا جدا، وعملية الفصل بين الأوراق المختلطة لم تعد سهلة، ودخول عنوان التصعيد والتحذير من حرب إقليمية يضع غزة كورقة للتفاوض من أجل التهدئة يمكن أن تستخدمها أو تلعب بها جميع الأطراف، ومن هذه الزاوية يحتاج الأمر إلى شيء من الوضوح لفهم الموقف الذي يتبناه الأردن وينطلق منه في التعامل مع تلك الإشكالية التي تضع المأساة التي يعيشها أهل غزة نتيجة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل معلقة بنتيجة المفاوضات وورقة ضغط يستخدمها الجانب الإسرائيلي!
موقف الأردن يقوم على أساس أن وقف الحرب على غزة فورا يجب ألا يكون ورقة للتفاوض، بل يجب أن يكون بحد ذاته هدفا محددا يفرضه القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والمنظمات التابعة لها، والمعاهدات الدولية، ويفرضه الأمر الواقع الذي يراه العالم كله بأبشع ما تكون عليه جرائم الحرب، من قتل جماعي وتدمير شامل لمدن بأكملها بكل ما فيها من مساكن ومدارس وجامعات ومستشفيات ومرافق وبنية تحتية، إنها جريمة العصر بكل ما تعنيه الكلمة، وموقف الأردن ينادي بوقف هذه الجريمة بشكل حاسم وصارم ونهائي.
يعرف الجميع أن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قاد بنفسه حملة لتشكيل موقف دولي مناهض لتلك الحرب الظالمة، وإلى حشد أكبر إغاثة عاجلة لأهل غزة المحرومين من الماء والغذاء والعناية الطبية، ومن أبسط متطلبات الحياة الإنسانية، ولا شك أنه خاطب العالم من زاوية المسؤولية القانونية للشرعية الدولية، والمسؤولية الأخلاقية للمجتمع الدولي، على أن التخلي عن تلك الواجبات من شأنه أن يهدد الأمن والسلام العالميين، وأن هذا الأمر يتطلب كذلك التعامل مع أصل القضية المرتبطة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي تنكرها إسرائيل، فتواصل احتلالها للأراضي التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
موقف الأردن واضح جدا من كل ما تشهده المنطقة من أحداث، وتوقعاته بالنسبة لما يمكن أن تذهب إليه التطورات قريبة جدا من فهمه للتوازنات الإقليمية والدولية، وإدراكه للأسباب التي أدت إلى خلط أوراق الخلافات المتعلقة بالملف النووي الايراني، وبالواقع اللبناني والسوري والعراقي واليمني التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر بعدة سنوات، فضلا عن مواقفه الحاسمة بشأن الحلول التي لا تخلو من التفاف على القضية المركزية مثل صفقة القرن ومشروع الإبراهيمية، وغيرها من المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
لا بأس من التوضيح لما هو واضح أحيانا، ولكن النخب السياسية والصحفية الأردنية مطالبة بالنظر نحو الاتجاه الصحيح لترى المشهد على حقيقته، وفي رأيي أن سلامة النظر ضرورية وسط هذا الضباب أو الغبار الكثيف!