صالح المعشر والرأسماليون الوطنيون والأردنيون المسيحيون

باسم سكجها

لم تسعفني الأيام بمعرفة الشاب الراحل صالح رجائي المعشر، ولكنّ أيام صباي حملت لي من الحظّ أن ألتقي بسرعة الجدّ صالح المعشر أبا رجائي، وكان ذلك في صحيفة “الشعب” الموؤودة، ولا أنسى أنّه كان يرتدي الشماغ التقليدي المطعّم بالأسود، وبالطبع فقد تمّ ذلك في مكتب والدي، رحمهما الله.

كان الجدّ الراحل صالح المعشّر عضو مجلس إدارة في الصحيفة، ومستثمراً مهمّاً فيها، ولا أنسى عذوبة لسانه، وشكله العربي المتين، وقد مرّت سنوات كثيرة لأتعرف على إبنه رجائي، فأصبحت زميلاً له في لجنة ملكية، نلتقي مرتين في الأسبوع، وحدّثته بالطبع عن تلك الحادثة.

صالح الجدّ، وصالح الحفيد، وما بينهما رجائي، ظلّوا من الرأسمالية الوطنية، هذه التي تنقصنا اليوم، حيث صار وطن أصحاب المال في جيوبهم التي تتنقّل من مكان إلى آخر، في بلدنا أو في غيره، ولكنّ “المعاشير” حافظوا على مالهم في الوطن، بما له وما عليه

عرفتُ بالصدفة أنّ صالح إبن رجائي الوحيد مُصاب بذلك المرض اللعين، وعرفتُ أنّه مشغول به ومعه ليل نهار، وذلك ما فسّر لي بعده عن الآخرين، وابتعاده عن الحياة العامة، فهو يعتني بالأمر الأهمّ من أموال العالم كلها: ولده الوحيد، ولكنّني باغتّه بمقالة تطالبه باستكمال كتاب يتحدّث عن تجربته الحياتية، ولعلّني أردت أن أشاغله عن ذلك الظرف الصعب المرير، فاتصل بي وقال: سيظهر في الوقت المناسب.

ولكنّ “نفساً ما تدري ماذا تكسب غداً وما تدري بأيّ أرض تموت”، و”الربّ أعطى والربّ أخذ فليكن إسم الربّ مباركاً”، فكما في القرآن وكما في الانجيل، فنحن كلنا ذاهبون، وهذا ما صار مع صالح الإبن، رحمه الله، وأعان والده الحبيب على فُراقه الصعب، وهو الفقدان الأصعب، وقدّ مرّ به سيّدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه مع فلذة كبده، وقال: إنّا على فراقك لمحزونون.

رجائي المعشّر أردني مسيحيّ، وليس مسيحياً أردنياً، وهذا ما عبّر عنه بمقالة تاريخية نشرها قبل نحو سنة، أعلن فيها أستياءه واستنكاره من استخدام المصطلح في غير مكانه الصحيح، وتبديله، وقال:

“هناك من يريد أن ينفي عن الأردني المسيحي دوره الوطني وعمقه العائلي والعشائري والمناطقي. وآخرون والحمد لله هم قلة يحاولون إثارة الفتنة من خلال خطاب الكراهية الذي يعتمدونه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، عند وفاة أردني مسيحي أو في مناسبات أعياده على سبيل المثال.

كان الله معك يا أيّها الأردني المسيحي النبيل، أيّها الرأسمالي الوطني المُحترم من الجميع، وهكذا هي الدنيا التي تأتي الناس من مأمنهم، ورحم الله صالح وأطال في عمر والده، وللحديث بقية.