التعليم والتدريب المهني والتقني أولوية في اختيارات أبنائنا الطلبة
نايف زكريا استيتية
مع إعلان نتائج الثانوية العامة وقرب بدء عملية تقديم طلبات الالتحاق بالجامعات الأردنية الحكومية منها والخاصة على حد سواء، وكما هو الحال في كل عام عندما يدخل الطلبة في حالة من الإرباك أمام مجموعة الخيارات المتاحة لهم للتقدم والحصول على مقعد جامعي على أساسها وفق المعدلات التي حصل عليها كل منهم، وعلى الرغم من النشرات الإرشادية والتوجيهية التي تعلن عنها الجهات المختصة لا سيما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والجامعات فيما يتعلق بيان حالة التخصصات المشبعة والراكدة من جانب وتلك التي تحظى بمكانة وتنافسية في سوق العمل إلا أننا ما زلنا نشهد عقب إعلان نتائج القبول الموحد أن هنالك المئات إن لم نقل الالاف من أبناءنا الطلبة ممن يقعون تحت وطأة سوء الاختيار أو القبول في تخصص لا يرغب به مما يعني بداية خاطئة وغير موقفة كان من الممكن تفاديها لو أن الطالب وجد توجيها موضوعيا قبل أن يتقدم بالطلب.
في هذا المقام وفي مثل هذه الآونة حري بنا إعادة التذكير والحديث حول موضوع غاية في الأهمية ألا وهو التعليم والتدريب المهني والتقني باعتباره أحد أبرز الأولويات التي كانت وما زالت تندرج ضمن رؤى وتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني حيث أكد جلالته وفي أكثر من مناسبة على ضرورة منح الأولوية لإنشاء مدارس التعليم والتدريب المهني والتقني والتوسع في فرص التعليم المهني والتقني في الجامعات لأهميته في التنمية الاقتصادية، الأمر الذي كان وما زال يتطلب إعداد وتجهيز الخطط المدروسة لاستحداث تخصصات جامعية جديدة لاستيعاب خريجي التعليم المهني والتقني وتطوير المهارات للشباب بما يسهم في تأهيلهم لمتطلبات سوق العمل، باعتبار ذلك ركيزة أساسية لتنمية القطاعات الإنتاجية وتعزيز النمو والتنمية الاقتصادية.
أبناؤنا الناجحين في الثانوية العامة هم أحوج ما يكونوا اليوم إلى تعريفهم وتوجيههم للإقبال على التخصصات المرتبطة مباشرة بالتعليم والتدريب المهني والتقني، إذا ما أردنا تعبيد طريق مستقبلهم عبر خطط بعيدة المدى، تبدأ بإبعادهم عن التخصصات الراكدة والتأكيد عليهم بأن التعليم المستقبل لأصحاب الشهادات في التخصصات التقنية التي سوف تتيح لهم فرص العمل في السوق المحلي والإقليمي والدولي، الأمر الذي سيسهم في الحد من مشكلتي الفقر والبطالة وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتمكين الشباب من الإسهام الفاعل والمؤثر في المشاركة في صياغة وبناء مستقبل وطنهم.
الاهتمام بالتعليم والتدريب التقني والمهني كان من صلب اهتمامات سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، الأمر الذي انعكس بوضوح على أرض الواقع بمبادرات مهمة تشكل نقلة نوعية في التعليم والتدريب المهني وتحسين مخرجات التعليم، أبرزها جامعة الحسين التقنية التي تقدم مخرجات تعليمية وفق مبادئ واضحة قائمة على التطبيق والمواءمة والتشاركية مع القطاع الخاص، مستذكرين قول سموه في مقابلته مع قناة العربية في نيسان الماضي: «لدينا نسبة بطالة كبيرة بين الشباب، وجزء من هذه المشكلة أنه لدينا عدد كبير ممن يحملون شهادات دبلوم أو أعلى، يريدون أن يكونوا مهندسين أو محامين أو أطباء، وهذا من حقهم، لكن عدد الفرص في سوق العمل قليلة»، مضيفا «بالمقابل هناك نسبة قليلة يدرسون تخصصات مهنية، مع أن عدد الفرص أكبر في سوق العمل الأردني، والعالمي أكبر بكثير، وبمدخول أفضل ومدة دراسة أقصر».
إن من أبرز المؤشرات التي تضمنتها الرؤى الملكية بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام كان التأكيد الملكي على حل معضلتي الفقر والبطالة، فضلًا عن إصرار جلالته في أكثر من مناسبة على تفعيل أوجه التعاون البنّاء بين القطاعين العام والخاص إذا ما أردنا الوصول إلى تحقيق الغايات التي يتطلع إليها جلالته الذي أدرك مبكرًا أن تحقيق الأهداف الوطنية في التعامل مع هذه القضايا لا يمكن أن يحدث دون بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، يكون الأخير بموجبها هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الاقتصادية، ويلعب دوره الحيوي في بناء سياسات واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي بمختلف جوانبه المالية والاقتصادية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها، لأن للقطاع الخاص دور لا يستهان به في تغيير ثقافة الشباب نحو التعليم المهني والتقني من خلال استراتيجية إعلام واتصال قوية وحملة وطنية لتغير هذه الثقافة وتشجيع الشباب للالتحاق بالتعليم المهني والتقني، خاصة أن مراكز مؤسسة التدريب المهني منتشرة في معظم مناطق المملكة ولديها القدرة على مواكبة التطوير والتغيير باستمرار.
لقد آثرنا في هذه المقالة وفي هذا التوقيت بالذات أن تكون بمثابة رسالة تصل أهدافها ومضامينها إلى العائلات الأردنية التي عليها أن تعي وتدرك حقيقة أن الواقع اليوم مختلف كثيرا عما كان عليه في السابق وإن علينا جميعا استيعاب مقولة جلالة الملك في خطابه في احتفالية اليوبيل الفضي (النجاح اليوم يعتمد على المواهب والكفاءات والقدرات البشرية) وكل ذلك يتطلب تنفيذ الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بتطوير التدريب المهني والتقني والذي من شأنه أن يؤدي إلى استفادة الأردنيين من معدلات النمو الاقتصادي وفرص العمل التي توفرها المشاريع الاستثمارية التي جرى وسيجري تنفيذها.
ومما لا تفوتنا الإشارة إليه مسألة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها تلك التي نعني بها أبناءنا ممن لم يحالفهم الحظ في النجاح في الثانوية العامة، أولئك الذين باتت أمامهم العديد من الفرص للتدريب والتعليم المهني والتقني عبر نافذة مؤسسات التدريب المهني والاستفادة من الخدمات التي تقدمها هيئة تنمية وتطوير المهارات التي تمنحهم شهادات مزاولة مهنة تمكنهم دخول سوق العمل بسهولة فضلا عن ضمان مسار وظيفي بما يتلاءم مع رؤية التحديث الاقتصادي وعندما نتحدث بهذه الثقة فإننا نستحضر رؤية جلالة الملك الخاصة بالتحديث الاقتصادي التي سوف توفر نحو مئة فرصة عمل في كل سنة خلال السنوات العشر القادمة والتي سوف يكون للمؤهلات المهنية والتقنية نصيب الأسد منها.