توجيهي

 

عبدالهادي راجي المجالي

منذ أمس وأنا أقرا تهاني التوجيهي الخالة فوزية هنأت حسونة بحصوله على (77) في التوجيهي ..ومن ضمن ما قرأت أيضا أن عبدالعزيز هنأ شقيقه عبدالرحيم بنجاح نجله عبدالفتاح في التوجيهي ولكن المعدل لم يذكر ويبدو أن عبدالفتاح لم يتجاوز ال (60) ...

قرأت أيضا ...أن الخالة (حورية) هنأت شقيقتها (محارم) بنجاح ابنها في التوجيهي بمعدل باهر ...قرأت الكثير على الفيس بوك  , قرأت أن عائلة كاملة مكونة من الزوج والزوجة والأبناء باركوا لبنت العم بنجاج ابنها وفلذة كبدها الوحيد في التوجيهي وتم نشر صورة الفتى , وقد تبين لي أني أعرفه ....كنت اشاهده في أحد محلات الفلافل كثيرا .

قرأت أيضا ...تهنئة ضخمة من أحد المرشحين لأبناء عمومته الناجحين , ووعدهم بحفل بهيج وعلى تفقته ...

شعبنا كان مشغولا بالتهاني في الأسبوع الماضي , أنا لا أريد أن أصادر فرح الأهالي ولا فرح الناس فهذه مناسبة , تجعل الأب يفتخر بابنه أو ابنته ..وهي مناسبة تنعش قلب الأم حين يحصل ابنها على معدل مرتفع .

النجاح لايكون في التوجيهي , النجاح الأساسي هو في الحياة ...في أن تحصل على المساواة , في أن تمر من شوارع قرية (صرفا)  جنوب الأردن , وتستنشق ذات الهواء الذي تستنشقه في البوليفارد ..النجاح يعني أيضا , أن تشعر بأن طعم النعناع الذي ينبت في قرية جحفية هو ذاته الذي يزرع في حدائق عمان الغربية ....النجاح يعني أن يفيق الأطفال في حواف القرى المزروعة جنوب معان , ويتناولون ذات الإفطار الذي يتناوله الأطفال في (دابوق) ...النجاح يعني هو أن تمر في ساعات الصباح على مطاعم عمان الفاخرة وتطلب بيضا مقليا بالسمن البلدي , ولا يضحكون منك ...وتخبرهم أن خبز الطابون أشهى من (الكروسان) ...

النجاح حتما لايكون في التوجيهي ..النجاح يكون حين يدركون أن قيمتك في الدنيا هي بما تملك من وعي وكرامة وعروبة ودين , وليس بما تملك من قواشين على طريق السرو أو في خلدا ...

النجاح يكون حين تتذكر مدرستك الإعدادية وتتذكر حجم فقر الجدران والشبابيك وحجم ..الأسى الذي سكن مقاعدها , وتمر من جانب مدرسة خاصة فارهة لا يدخلها إلا أبناء الذوات ..ثم تدرك في لحظة مقارنة , أن المدرسة التي يسكن الأسى جدرانها ..هي من خرجت الجنود الذين يحمون حدود البلد الشمالية والشرقية والغربية ...هم من جعلوا أبناء الذوات يأتون لمدارسهم دون خوف , هم من جعلونا جميعا نكسدر في شوارع عمان بعد منتصف الليل ونحن ندرك أنها مدينة حتى الهواء فيها يحرسك ...

النجاح  يعني ...أن تعبر من الطريق الصحراوي , وتمر على البدو في النقب وتشرب قهوتهم , وتجلس في خيامهم ...وتؤمن في داخلك أن تلك الخيام كانت هي بداية الدولة , وأن العشيرة كانت هي الترس والرمح والضمير ...وأن تلك الخيام لم يجلس فيها إلا أصحاب النفوس الأبية , والأرواح الجامحة ...والوجه العربي الحنون ...كانت الخيمة هي الحزب , والفنجان كان أقدم من الليبرالية ..والهيل الذي غطى برائحته على المكان ..كان أهم بكثير من تيارات التكنوقراط ...

النجاح بصراحة يعني أن وطني يسكنني ولست أنا من أسكنه ....ربما سيأتي الجيل الذي بعدنا ويعدل الميزان .