"العطارات: مشروع استراتيجي أم خسارة حكومية؟ نظرة شاملة على القضية"

 

 المهندس رائد الصعوب

في حوار عميق مع المحاور الاقتصادي الأستاذ عصام قضماني، قدم الدكتور أحمد حياصات، المدير العام السابق لشركة الكهرباء الوطنية، رؤية متكاملة حول مشروع العطارات لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي. تناولت الحلقة تفاصيل دقيقة تتعلق بالاتفاقية التي أبرمتها الحكومة، والخسائر التي تكبدتها شركة الكهرباء الوطنية، وصولاً إلى قضية التحكيم الأخيرة التي انتهت بخسارة الحكومة. في هذا المقال، سنستعرض المحاور الرئيسية التي تمت مناقشتها، مع التركيز على الأرقام والتفاصيل التي توضح مدى تأثير هذه القضية على الاقتصاد الأردني.

تفاقم الخسائر المالية: أرقام تعكس واقع الأزمة

بدأ الدكتور حياصات بتوضيح الأزمة المالية التي واجهتها شركة الكهرباء الوطنية نتيجة انقطاع الغاز المصري عام 2011. في ذلك العام، تكبدت الشركة خسائر فادحة بلغت حوالي *1.2 مليار دينار، بعد أن توقفت إمدادات الغاز بشكل مفاجئ نتيجة الانفجارات التي تعرضت لها خطوط الغاز المصرية. هذه الخسائر لم تكن حدثاً معزولاً، بل استمرت في التفاقم خلال السنوات اللاحقة. ففي عام 2012، ارتفعت الخسائر إلى **1.4 مليار دينار، بينما سجلت عام 2013 حوالي **1.2 مليار دينار* أخرى.

تراكم هذه الخسائر كان نتيجة اضطرار شركة الكهرباء الوطنية لاستخدام الوقود الثقيل والديزل كمصدر بديل للطاقة، وهما أغلى بكثير من الغاز الطبيعي. بلغت أسعار النفط في تلك الفترة ذروتها، حيث وصلت إلى *140 دولاراً* للبرميل، مما أدى إلى زيادة التكلفة التشغيلية للشركة بشكل كبير. وفي عام 2014، بلغت خسائر الشركة مستويات قياسية، تجاوزت *5 مليارات دينار*، وهي خسائر أثقلت كاهل الاقتصاد الأردني وأدت إلى زيادة المديونية العامة.

لتحول إلى مشروع العطارات: خطوة استراتيجية ولكن مكلفة

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لجأت الحكومة إلى البحث عن بدائل لتأمين الطاقة. هنا ظهر مشروع العطارات كحل استراتيجي لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد وتوفير مصدر طاقة محلي ومستدام. وقعت الحكومة اتفاقية مع الجانب الأسطوني في عام 2008، ثم تبعتها اتفاقيات أخرى مع شركات ماليزية وصينية، لتطوير مشروع العطارات بتكلفة إجمالية عالية نتيجة الظروف التقنية والفنية الخاصة بالمشروع.

تحدث الدكتور حياصات عن تفاصيل دقيقة تتعلق بجودة الصخر الزيتي الأردني، الذي يعتبر أقل كفاءة من الصخر الزيتي في أسطونيا، مما استدعى تصميم محطة خاصة تتناسب مع خصائص الصخر المحلي. تكلفة بناء المحطة كانت مرتفعة للغاية، حيث تم تصميم البويلر خصيصاً لتحمل نسبة الرطوبة العالية وانخفاض المكون الحراري في الصخر الزيتي الأردني. كل هذه التحديات أدت إلى ارتفاع تكاليف المشروع بشكل عام، بما في ذلك تكلفة التمويل، حيث كانت الصين الجهة الوحيدة التي وافقت على تمويل المشروع بشروط قاسية.

جدل الأسعار والشعور بالغبن: هل كان المشروع خياراً صحيحاً؟

عند بدء تشغيل المشروع، بدأت الحكومة تشعر بأن الأسعار المتفق عليها لشراء الكهرباء من العطارات مرتفعة للغاية مقارنة بأسعار الكهرباء المنتجة من الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة. بلغت تكلفة الكيلوواط ساعة من العطارات حوالي *12 إلى 13 سنتاً، في حين كانت تكلفة الكيلوواط ساعة من الغاز الطبيعي حوالي **7 إلى 8 سنتاً*. هذا الفارق الكبير أثار الجدل حول مدى جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية.

أوضح الدكتور حياصات أن الأسعار المرتفعة كانت نتيجة طبيعية للتكاليف العالية لتصميم وبناء المحطة، بالإضافة إلى الشروط التمويلية المفروضة من الصين. وأشار إلى أن الاتفاقية تضمنت آلية لتخفيض الأسعار تدريجياً على مدار سنوات تشغيل المشروع، حيث كان من المتوقع أن تنخفض الأسعار بعد *17 سنة* من بدء التشغيل. كما أشار إلى أن الشركة كانت قد قدمت عرضاً للحكومة لتمديد مدة المشروع إلى *40 سنة*، مما كان سيخفض التكلفة بشكل كبير، ولكن الحكومة اختارت الذهاب إلى التحكيم بدلاً من التفاوض.

تداعيات قضية التحكيم: خسارة مالية وضربة للاستثمار

قرار الحكومة باللجوء إلى التحكيم بدعوى "الغبن الفاحش" أثار انتقادات واسعة، خاصةً بعد خسارتها للقضية. الدكتور حياصات أشار إلى أن العديد من الخبراء القانونيين كانوا قد نصحوا الحكومة بعدم الذهاب إلى التحكيم، مؤكدين أن القضية ضعيفة من الناحية القانونية. ورغم ذلك، أصرت الحكومة على موقفها، مما أدى إلى خسارة مالية كبيرة، حيث تكبدت الحكومة تكاليف التحكيم والمحامين التي بلغت حوالي *10 ملايين دولار*.

هذه الخسارة لم تكن مالية فقط، بل كانت لها تداعيات سلبية على سمعة الأردن كبيئة استثمارية. فالشركات الدولية أصبحت تنظر إلى الأردن بحذر أكبر، وأصبحت تضع شروطاً إضافية عند التفاوض على المشاريع الاستثمارية، مما يزيد من تكلفة الاستثمار ويقلل من جاذبية السوق الأردني.

مستقبل مشروع العطارات: بين التحديات والفرص

رغم التحديات التي واجهها مشروع العطارات، أكد الدكتور حياصات على أهمية المشروع كجزء من استراتيجية تنويع مصادر الطاقة في الأردن. المشروع يساهم حالياً بحوالي *15%* من خليط الطاقة الوطني، ويمكن أن ترتفع هذه النسبة إلى *30%* إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع. الدكتور حياصات دعا إلى ضرورة تحسين العلاقة بين الحكومة والشركة المطورة، والعمل على استكمال المرحلة الثانية لتقليل التكاليف وتحقيق الاستفادة القصوى من البنية التحتية التي تم بناؤها.

خلاصة القول: دروس مستفادة وتوصيات للمستقبل

في نهاية الحوار، شدد الدكتور حياصات على ضرورة احترام الاتفاقيات الموقعة، وأكد أن التراجع عن الالتزامات قد يكون له تداعيات سلبية بعيدة المدى على الاقتصاد الأردني. كما دعا إلى إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمستثمرين، والعمل على تعزيز الشراكات الاستراتيجية لتأمين مصادر طاقة متنوعة ومستدامة. وفي ظل التحديات الحالية، يبقى تنويع مصادر الطاقة وزيادة الاعتماد على الموارد المحلية هو السبيل الأمثل لتحقيق أمن الطاقة في الأردن.

 

شاهد الفيديو على الرابط التالي:

(https://youtu.be/B-mgoOY7UJY?si=IwOnxVl4H9yrEPUi).