أخطار تهريب المخدرات بالمسيرات من سوريا إلى الأردن

 

أعلنت السلطات الأردنية في 22 يوليو/تموز الماضي، عن اعتراض مسيّرة محملة بالمخدرات قادمة من سوريا، في حدث لم يعد نادرا، بل بات جزءا من سلوك مثير للقلق. ففي الأسابيع الأخيرة اعترضت السلطات الأردنية أيضا مسيرتين أخريين تحملان مواد غير مشروعة قادمة من سوريا، وهو ما يعكس الجهود القصوى التي تبذلها شبكات التهريب في جنوب سوريا لاستخدام هذه التكنولوجيا في أنشطتها غير القانونية.

وقد جاهد الأردن طيلة سنوات لمواجهة محاولات تهريب المخدرات عبر حدوده الصحراوية مع سوريا، التي يبلغ طولها 375 كيلومترا (233 ميلا)، إذ ازدهرت على نطاق واسع تجارة المخدرات المربحة وسط فوضى الحرب الأهلية وتواطؤ جهات حكومية. بيدَ أن ما يجعل هذه الأحداث الأخيرة مثيرة للقلق على نحو خاص هو تجدد استخدام المسيرات بعد أشهر من التوقف، مما يشير إلى أن شبكات التهريب في جنوب سوريا لا تزال تحاول استخدامها لتوسيع أنشطتها، بعد أن استخدمتها العام الماضي أول مرة.

تطرح المسيّرات تحديا جديدا وغير مسبوق. فهي تفلت بكفاءة من الرصد والاعتراض أكثر بكثير من أساليب التهريب البرية التقليدية. وهذا التطور المثير للقلق لا يفضي إلى تفاقم الإتجار بالبضائع المهربة فحسب، بل يطرح أيضا على الأردن مجموعة جديدة من التحديات الأمنية لا يسعه تجاهلها.

التهديد المتزايد

تُبرز بيانات مفتوحة المصدر سلسلة كبيرة من اعتراض المسيرات. ففي 22 يوليو أعلن الجيش الأردني عن اعتراض مسيرة قادمة من سوريا، ولو أنه لم يكشف التفاصيل عن كمية المخدرات التي كانت تحملها ونوعها. وجاء هذا الحادث في أعقاب عملية اعتراض أخرى أبلغ عنها قبل يومين فقط، حيث أحبط "جسم طائر" كان محملا بنحو 4000 حبة من الكبتاغون.

يضاف إلى ذلك أن السلطات الأردنية أبلغت في 19 يونيو/حزيران، عن إسقاط مسيرة تحمل مادة ميثامفيتامين البلوري، وهي مادة شديدة الإدمان، قبل أن تتمكن من دخول الأردن. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الحكومة السورية عن اعتراض مسيرة على الحدود الأردنية، وهي الحالة الأولى والوحيدة لإعلان كهذا من جانبه.
علاوة على ذلك، شهد العام الماضي ارتفاعا في وتيرة الحوادث المماثلة، حيث اعترض الأردن ما مجموعه 12 مسيرة، كانت تهرب المخدرات والأسلحة والمتفجرات من سوريا إلى الأردن.

تغيير قواعد اللعبة

ومع أن المسيرات جربت في السنوات السابقة، فإن استخدامها كان محدودا في التهريب من سوريا، ويرجع ذلك أساسا إلى أن المسيرات وسيلة غير ضرورية. ففي البداية، استخدمت أساسا للتدريب والاستطلاع، مثل مراقبة الطرق قبل أو أثناء عمليات التهريب. فالتهريب البري، كما تشير مصادر محلية، لا يزال حتى الآن الأسلوب المفضل لأنه مألوف وفعاليته مضمونة.
غير أن حملة القمع المكثفة التي شنتها القوات الأردنية على المهربين العام الماضي، غيرت إلى حد كبير المشهد العام لصناعة المخدرات. فقد عزز الأردن كثيرا من أمن حدوده الشمالية مع سوريا، للحد من تدفق المخدرات منها. وتفيد التقارير بأن تجار المخدرات السوريين تكيفوا مع هذه الحملة بأن بدأوا في تعديل تكتيكاتهم لتصبح أقل قابلية للاكتشاف. فبينما كانوا يعملون ذات يوم بانفتاح نسبي، معتمدين على حماية الحكومة السورية، دفعتهم الضغوط الخارجية المتزايدة إلى تبني أساليب أكثر سرية ومرونة.

 وتبرز الزيادة الملحوظة في عدد المسيرات التي اعترضت خلال العام الماضي، تحول شبكات المخدرات نحو طريقة التهريب المبتكرة هذه. وتساهم عوامل عدة في هذا التغيير، يأتي في مقدمتها ارتفاع معدل نجاح المسيرات مقارنة بطرق التهريب التقليدية. وبحسب منظمة "إيتانا" السورية، فإن نحو ثلث محاولات المسيرات نجحت في تحقيق مهمتها العام الماضي، مما يدل على فعاليتها المتزايدة في تعزيز عمليات التهريب.

المزايا الفريدة

ليس مفاجئا أن يكون معدل نجاح عمليات التهريب المعتمدة على المسيرات مرتفعا، نظرا للتحدي الهائل الذي تمثله المسيرات لأنظمة الرادار الناجم عن ضآلة بصمتها الرادارية. كما أن السلطات في البلدان النامية ذات التكنولوجيا المحدودة، تعتمد في المقام الأول على الرصد البصري للكشف عن هذه المسيرات. وتتفاقم المشكلة أكثر لأن بعض المسيرات يمكنها الطيران على نحو مستقل ليلا، مما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة.
 وتشير مصادر محلية إلى أن المهربين يستخدمون أساليب التضليل لرفع معدلات نجاحهم. وتتضمن هذه الاستراتيجية نشر مسيرة منخفضة التكلفة كطعم لتشتيت انتباه السلطات عن العمليات الأكثر أهمية. فالمسيرات التي اعترضت، مثلا، في 28 يونيو/حزيران و28 أغسطس/آب العام الماضي كانت فارغة، مما يشير إلى أنه ربما استخدمت لصرف الانتباه عن عمليات أخرى أكثر أهمية شاركت فيها عدة مسيرات محملة بالمخدرات.

علاوة على ذلك، توفر المسيرات للمهربين حلا فعالا قليل التكلفة وسهل التشغيل. وتكشف صور المسيرات التي اعترضت أن تكلفة هذه الأجهزة تبلغ نحو 1000 دولار أو أقل، وهي كلفة متواضعة نسبيا مقارنة بالأرباح المحتملة لهذه الأنشطة غير القانونية. كما زُودت الكثير من هذه المسيرات أيضا بوظيفة العودة الذاتية، مما يسمح لها بالعودة إلى مشغليها بعد التسليم، فتزيد عملية إعادة الاستخدام بالتالي من الجدوى الاقتصادية إلى أقصى حد.

 دعم الحكومة

ويتسم بالأهمية ما كشفته مصادر متعددة من أن الحكومة السورية، خاصة اللواءين الخامس والرابع في الجيش السوري وبعض الجهات التابعة لـ"حزب الله"، يؤدون أدوارا حاسمة في تسهيل الحصول على هذه المسيرات المستخدمة في عمليات التهريب وفي التدريب الأولي عليها. إذ يعمل هذا الدعم على تسهيل عملية شراء هذه المسيرات واستخدامها، مما يجعلها في متناول شبكات التهريب.
وتوفر المسيرات مرونة لا مثيل لها، بخلاف عمليات التهريب التقليدية على الأرض، التي تتبع عادة طرقا ومعابر حدودية محددة. فيمكن إطلاقها من أي مكان تقريبا ضمن نطاق عملياتها، مما يسمح للمهربين بتغيير مواقع عملياتهم على نحو متكرر. هذه القدرة على التكيف تجعل من الصعب للغاية التنبؤ بأنشطتها واعتراضها. بالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة تتبع أصل عمليات المسيرات يوفر إمكانية إنكار معقولة، لأن الروابط المباشرة مع الحكومة السورية أقل وضوحا مقارنة بأساليب التهريب البرية التي تشمل كلا من السير على الأقدام أو بالمركبات.

مخدرات غالية الثمن

تكشف بيانات مفتوحة المصدر أن شحنات المسيرات التي اعترضت خلال العام الماضي، اشتملت في المقام الأول على مخدرات شديدة الإدمان وعلى متفجرات وأسلحة. ويزيد هذا الواقع من التهديدات التي يتعرض لها الأمن الوطني الأردني إلى حد كبير. وجدير بالذكر أن من بين 12 مسيرة اعترضتها الأجهزة الأردنية، تبين أن أكثرها يحمل مادة الميثامفيتامين. ويرجع سبب التركيز على الإتجار بالميثامفيتامين البلوري إلى ارتفاع ثمنه جدا في الشوارع مقارنة بالمواد الأخرى غير المشروعة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن القيمة السوقية لمادة الميث البلورية تعادل 7 أضعاف قيمة الكبتاغون وحوالي 25 ضعفا من قيمة الحشيش.

تشير بعض المصادر أيضا إلى أن الميثامفيتامين البلوري، الذي ينقل عادة على شكل مسحوق، يمكن غشه بخلطه بمواد شائعة مثل الكافايين والثيوفيلين، بهدف إنتاج حبوب الكبتاغون المزيفة. ونتيجة لذلك، فإن التدفق المتزايد لمادة الميث البلورية، وهي مادة تسبب الإدمان على نحو استثنائي، يثير المخاوف من إمكانية تحول الأردن من مجرد مركز عبور إلى مركز استهلاك كبير أو حتى مركز إنتاج لهذا المخدر غير المشروع.

المتفجرات والأسلحة

وفي موضوع آخر، تبين أن ثلاث مسيرات على الأقل من المسيرات التي اعترضت خلال العام الماضي، كانت تنقل أسلحة، بما فيها "بنادق-إم-4" وقنابل يدوية ومادة الـ"تي إن تي". ولا بد من التأكيد على أن تهريب الأسلحة من سوريا إلى الأردن لم يكن مسألة سائدة في الماضي. وبالتالي، فإن وجود هذه الأسلحة يثير تساؤلات كبيرة عن الاستخدام المقصود لها وعن إمكانية العبث بأمن الأردن. وسواء وقعت هذه الأسلحة في أيدي منظمات إجرامية أو جماعات إرهابية، فإن وجودها داخل حدود الأردن يمثل خطرا أمنيا كبيرا.

ومع أن الأردن نجح مؤخرا في اعتراض 15 مسيرة خلال العام الماضي، فإن المعلومات المستقاة من مصادر مطلعة تشير بقوة إلى أن الكثير من الطائرات الأخرى تمكنت من الإفلات من الرصد ووصلت إلى أهدافها المقصودة. علاوة على ذلك، يحق لنا أن نتوقع أن أساليب المهربين وقدراتهم ستستمر في التطور، مع تزايد دقة طريقة النقل غير المشروع هذه. وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسين النظر في تعزيز القدرات التقنية للأردن وتعزيز قدراته على جمع المعلومات الاستخبارية كي يواجه بفاعلية ما تحمله هذه المسيرات من تهديدات متعددة الأوجه على أمنه القومي.