كرادشة: ثقل التوجيهي غذته الأعراف السائدة.. والوصم المجتمعي أرهق الأسر

 

انتظار نتائج التوجيهي في الأردن ليس مجرد حدث أكاديمي؛ بل يعد حدثًا مجتمعيًا عميقًا يتردد صداه في حياة الطلبة، والأسر، والمجتمعات على حد سواء، ما نتج عنه ظهور حالة رهاب مجتمعيّ مؤرقة وضعت الأسر أمام تحديات جمّة، منها أن الفشل في اجتياز امتحانات الثانوية العامة، قد ينال من سمعتها، ويؤثر عليها، وهو ما يعرف بالوصم الاجتماعي.

وتتجلى هذه الطقوس السنوية، المحملة بالتوقعات، في كل من الاضطرابات العاطفية الشديدة قبل الإعلان عن النتائج، وفي العواقب الفوضوية التي تتكشف في أعقابها.

وفي هذا الصدد، قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور منير كرادشة، إنه على الرغم من التحذيرات المستمرة من مديرية الأمن العام، إلا أن شوارع العاصمة والمحافظات المختلفة أصبحت مجرد ساحات للاحتفالات المتهورة، التي تتميز بالقيادة المتهورة، واعتلاء أسطح المركبات، واستخدام مكبرات الصوت الصاخبة، واللجوء للألعاب النارية.

وأضاف أن هذه السلوكيات، المتجذرة بعمق في الأعراف المجتمعية، حوّلت التوجيهي من مجرد مرحلة ثانوية إلى قلق جماعي، يطغى على الأسر في جميع أنحاء الأردن.

"إن لحظة الحقيقة تظهر عندما تشير الزغاريد إلى نجاح الأسرة، فيما يدل الصمت الخانق الذي يسود الأجواء على الفشل، فبالنسبة لأولئك الذين نجحوا، تشكل هذه اللحظة بالنسبة لهم فجر حياةٍ ضحوا من أجلها، وعلى العكس من ذلك، بالنسبة لأولئك الذين لم ينجحوا، فإن النضال بالنسبة لهم لا ينتهي؛ بل إنه يمثل غالبًا بداية معركة مدى الحياة ضد الوصمة المجتمعية، وخيبة الأمل الشخصي، وفقًا لكرادشة.

ومع ذلك، فإن القضية تمتد إلى ما هو أبعد من التأثير الشخصي لهذه النتائج كما أوضح كرادشة، فالمظاهر العامة للاحتفال - وخاصة الاستخدام الخطير للأسلحة النارية - هي أعراض لتوترات مجتمعية أعمق، وعلى الرغم من المبادرات التي يقودها المجتمع والتحذيرات القانونية، فقد أسفرت الحوادث الأخيرة عن إصابات واعتقالات ومصادرة العديد من الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل 1200 مخالفة مرورية، مِمَّا يعكس تجاهلًا أوسع للسلامة العامة في لحظات النشوة الجماعية.

وقدّم كرادشة تفسيرًا يمكن من خلاله فهم هذه السلوكيات، فهو يرى أن الاحتفالات الصاخبة والخطيرة في كثير من الأحيان تعكس صراعًا مجتمعيًا أوسع نطاقًا ويتمحور حول الخطوط العريضة بين الحرية الفردية، والمسؤولية المجتمعية.

وأوضح أن آثار هذه الاضطرابات لا تنعكس على الانزعاج المؤقت، فالطبيعة المفاجئة للاحتفالات يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية طويلة الأمد، مثل القلق المزمن، واضطرابات النوم، وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية. وفي هذا الضوء، يتجاوز التأثير الاجتماعي لاحتفالات التوجيهي الإثارة الفورية للنجاح، مِمَّا يشير إلى اضطراب أعمق في النسيج الاجتماعي.

وثقافيًا، بيّن كرادشة أن الحماس المحيط بنتائج التوجيهي يعكس القيمة الهائلة الممنوحة للإنجاز الأكاديمي داخل المجتمع الأردني، فالنجاح في التوجيهي لا يُنظر إليه باعتباره إنجازًا فرديًا فحسب؛ إن الاحتفالات بالنجاح الأكاديمي هي حدث جماعي يجسد آمال وأحلام أسر بأكملها. وهي علامة على المكانة الاجتماعية، ومؤشر على النجاح في المستقبل، وكثيرًا ما تكون عاملًا حاسمًا في تحديد سمعة الأسرة. ولكن عندما تنتشر هذه الاحتفالات في المجال العام، وتنتهك رفاهية الآخرين، فإنها تثير أسئلة أخلاقية بالغة الأهمية حول التوازن بين الفرح الجماعي وحقوق الفرد.