"الهجرة" أول تحديات حكومة "العمال"... والبريطانيون غير راضين

 

لم يمضِ على تولي حكومة حزب "العمال" البريطانية الجديدة سوى شهر واحد، ومع ذلك تواجه بالفعل أخطر التهديدات حيث تتصاعد أعمال شغب، بتحريض من اليمين المتطرف، في مختلف أنحاء البلاد.

اندلعت الاضطرابات في أواخر يوليو/تموز عقب مقتل ثلاثة أطفال في مدرسة ببلدة ساوثبورت الشمالية. ووُجهت لاحقا تهمة القتل إلى شاب يبلغ من العمر 17 عاما، تعود أصول عائلته إلى رواندا، بالإضافة إلى توجيه عشر تهم أخرى بمحاولة القتل إليه.

 

 

 

وفي حين لا يزال الدافع الحقيقي للهجوم غير معروف، فإن المأساة أشعلت ردود فعل عنيفة في بلدة ساوثبورت الشمالية، التي تتميز عادة بالهدوء. وتفاقمت الأوضاع بسبب انتشار شائعات كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، تزعم أن المهاجم كان طالب لجوء مسلم وصل مؤخرا إلى البلاد على متن قارب كمهاجر غير شرعي.

ورغم وضوح عدم صحة هذه الادعاءات- حيث إن المشتبه به من مواليد بريطانيا ولا يُعرف عنه أنه مسلم- فإن التوترات المتصاعدة بسبب أزمة المهاجرين في المملكة المتحدة، والتي شهدت وصول 1.2 مليون مهاجر إلى البلاد العام الماضي، أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع احتجاجات على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.

حتى الآن، جرى اعتقال ما لا يقل عن 400 شخص على خلفية أعمال الشغب التي اندلعت، والتي يُقال إنها بتحريض من نشطاء اليمين المتطرف، في المدن الكبرى في جميع أنحاء المملكة المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع واستمرت بعدها. وشملت هذه المدن مانشستر وليفربول، بالإضافة إلى وجود تقارير عن اضطرابات كبيرة في هال وستوك ونوتنغهام وبلفاست.

استهدف المشاركون في أعمال الشغب بشكل رئيس الفنادق التي تُستخدم لإيواء المهاجرين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر القناة الإنكليزية في قوارب مطاطية كمهاجرين غير شرعيين.

وتعرضت هذه الفنادق لهجمات في مناطق روثرهام وتامورث وميدلزبره. وشهدت بلدة روثرهام في جنوب يوركشاير أسوأ أعمال العنف، حيث قام عشرات الشباب الملثمين بمهاجمة فندق محلي كان يُستخدم سابقا لإيواء طالبي اللجوء. وفي تامورث، أصيب ضابط شرطة بكسر في ذراعه بعد أن حطم مثيرو الشغب نوافذ الفندق وأشعلوا سلسلة من الحرائق باستخدام ثلاث قنابل حارقة في فندق يُقال إنه يؤوي طالبي اللجوء. أما في ميدلزبره، فقد استهدف حشد من الناس منازل المهاجرين.

كما تعرض عدد من المساجد للهجوم على خلفية التقرير الكاذب الذي زعم أن المشتبه به المتهم بقتل أطفال مدرسة ساوثبورت كان مسلما.

وكان مسجد عبد الله كويليام في ليفربول من بين المساجد التي استُهدفت في نهاية الأسبوع الماضي، والتي جرى إلقاء اللوم فيها على المعلومات المضللة حول هجمات ساوثبورت والتي ساهمت في تأجيج مشاعر الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام). وفي بولتون، أدى تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين إلى اندلاع اشتباكات بين مجموعات متنافسة من الشباب المعادي للمهاجرين والمسلمين، قبل أن تتدخل الشرطة للفصل بينهم.

دفعت أعمال العنف رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى عقد اجتماع طارئ للوزراء بهدف مناقشة أفضل السبل للاستجابة لهذه الأزمة. وفي حديثه مساء الأحد، بعد عطلة نهاية أسبوع شهدت البلاد فيها موجة من الفوضى، وجه ستارمر تحذيرا شديد اللهجة الى المحرضين اليمينيين المتطرفين المتهمين بإثارة الاضطرابات، مشددا على أنهم "سوف يندمون على أفعالهم" وأنهم "سيواجهون القوة الكاملة للقانون".

ومن بين المتهمين بإثارة هذه الاضطرابات تومي روبنسون، المحرض اليميني المتطرف المعروف، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، والذي تردد أنه كان يؤجج أعمال الشغب من منتجعه السياحي في قبرص عبر "منشورات تحريضية على الإنترنت".

ويُعتقد أن ستارمر كان يشير إلى روبنسون عندما تحدث بشكل غير مباشر عن نشطاء "من الخارج" يحرضون على العنف.

وصدرت مذكرة جديدة لاعتقال روبنسون بعد مغادرته المملكة المتحدة، حيث رفض المثول أمام جلسة استماع تتعلق بقضية ازدراء المحكمة في وقت سابق. ويُعرف روبنسون بأنه محرض يميني متطرف قديم، وكان سابقا رئيسا لـ"رابطة الدفاع الإنكليزية"، وهي منظمة توصف بأنها نازية جديدة معادية للإسلام وتعارض الهجرة الجماعية.

واجه روبنسون، البالغ من العمر 41 عاما، مشكلات قانونية متكررة، حيث أدين بتهم متعددة منها الاعتداء وازدراء المحكمة والاحتيال في قرض عقاري. وعلى الرغم من حظره من منصة "تويتر" في عام 2018، إلا أن روبنسون استمر في التأثير على نشاط اليمين المتطرف من خلال حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد استعاد روبنسون حسابه بعد استحواذ إيلون ماسك على المنصة، التي أصبحت الآن تُعرف باسم منصة "X".

كما وجهت حكومة المملكة المتحدة اتهامات لجهات فاعلة من دول أجنبية، مثل روسيا، بتضخيم المعلومات المضللة عبر الإنترنت المتعلقة بالمشتبه به في هجوم ساوثبورت.

أدت هذه الاضطرابات بشكل مفاجئ إلى إنهاء فترة شهر العسل لرئيس الوزراء كير ستارمر. فبعد مرور شهر واحد فقط على تحقيق حزب "العمال" فوزا ساحقا في الانتخابات العامة الأخيرة في المملكة المتحدة، شهد ستارمر انخفاضا حادا في معدلات تأييده. وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة "أوبينيوم" انخفاض شعبيته بمقدار 16 نقطة خلال الأسبوعين الماضيين، حيث جرى ربط هذا التراجع بالتعامل المتذبذب لحكومته مع الاضطرابات كعامل رئيس.

ومع اعتبار قضية الهجرة أحد الأسباب الرئيسة وراء الاضطرابات، فإن جزءا كبيرا من تراجع شعبية "ستارمر" يعزى إلى فشله في تقديم سياسة موثوقة لمعالجة هذه القضية.

ومن بين أولى خطواته بعد توليه منصب رئيس الوزراء، كان إعلانه عن إلغاء "سياسة رواندا" المثيرة للجدل التي كانت تنتهجها الحكومة المحافظة السابقة، والتي كانت تقضي بترحيل المهاجرين الذين يصلون بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة إلى الدولة الأفريقية.

وكانت هذه السياسة، التي تبناها رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، تهدف إلى ردع المهاجرين عن عبور القناة من فرنسا إلى إنكلترا.

إلا أن التخلي عن هذه السياسة أدى إلى زيادة في أعداد المهاجرين الذين يقومون بالعبور الخطر من فرنسا إلى إنكلترا، مما زاد من الضغوط على حكومة المملكة المتحدة لتوفير السكن لهم. وفي عام 2023، أنفقت الحكومة البريطانية 4.3 مليار جنيه إسترليني على تقديم المساعدات والإسكان للاجئين.

لا يقتصر رد الفعل العنيف ضد تزايد أعداد المهاجرين على المملكة المتحدة؛ إذ شهدت دول أخرى في أوروبا، مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا، احتجاجات مماثلة.

ورغم أن المشاهد العنيفة في بريطانيا قد تُعتبر جزءا من ظاهرة أوسع للاحتجاجات المناهضة للهجرة التي تجتاح أوروبا، فإن فشل ستارمر في تقديم سياسة فعالة لمعالجة الأزمة يجعل الوضع في المملكة المتحدة أكثر تعقيدا وسوءا.

وادعت دونا جونز، وهي سياسية بارزة من حزب "المحافظين" وتشغل منصب مفوضة الشرطة والجريمة في هامبشاير وجزيرة وايت، أن "الهجرة الجماعية غير المنضبطة" كانت أحد الأسباب الرئيسة وراء هذه الاضطرابات، ووصفت الأحداث بأنها أشبه بـ"تمرد ضد الهجرة غير الشرعية".

إن مواجهة هذا العنف واسع النطاق بعد فترة وجيزة من توليه المنصب يمثل تحديا كبيرا لحكومة حزب "العمال" البريطانية الجديدة، التي ركزت جهودها حتى الآن على تقديم المتورطين في أعمال الشغب إلى العدالة. ومع ذلك، تزايدت التكهنات بأن الحكومة ستضطر إلى استدعاء الجيش البريطاني لاستعادة النظام، رغم أنه لم يجر تقديم أي طلبات رسمية للحصول على المساعدة العسكرية من قبل "داونينغ ستريت" حتى الآن.

ومع أن الأولوية الرئيسة للحكومة البريطانية في الوقت الحالي هي إنهاء أعمال الشغب التي تجتاح البلاد، فمن المرجح أن تستمر هذه الاضطرابات طالما بقي "ستارمر" عاجزا عن تقديم حل قابل للتطبيق لقضية الهجرة الجماعية.