هكذا يجمع ترمب وهاريس التبرعات وهكذا ينفقانها
يشكل المال عصب نجاح أية معركة انتخابية في الولايات المتحدة، ومن دون لجان تنظيمية لجمع التبرعات ومساهمات المواطنين والأثرياء لن يتوفر لأي مرشح الوقود اللازم للنجاح أو حتى الوصول إلى المرحلة النهائية وتمويل إعلاناته للتأثير في الناخبين وتنظيم المؤتمرات والتجوال في بلد مترامي الأطراف، وبينما كلفت انتخابات 2020 نحو 14 مليار دولار، تتجه انتخابات 2024 إلى رقم قياسي جديد. فما الوضع المالي للمرشحين المتنافسين دونالد ترمب وكامالا هاريس؟ وكيف يجمعان كل هذه الأموال وفيم ينفقانها؟ وما الذي يحدده القانون من قيود لضمان الشفافية؟ ولماذا يستمر المال السياسي في التأثير في المرشحين الرئاسيين؟
بين أمس واليوم
في عام 2020 سكب المانحون الديمقراطيون أكثر من مليار دولار في خزائن حملة جو بايدن ومئات الملايين الأخرى في لجان العمل السياسي لإخراج ترمب من البيت الأبيض، فيما كانت تبرعات المانحين الجمهوريين أقل، وفي هذا العام استمر بايدن متفوقاً في البداية بميزة مبكرة في جمع التبرعات على ترمب، إذ تمكن من جمع 212 مليون دولار وأطلق النكات حول ما سماه "دونالد المفلس"، ولكن بعد أن تفوقت حملة بايدن على ترمب بهامش ستة إلى واحد في محاولة فاشلة لتعزيز فرصه المتداعية، أظهرت البيانات التي سجلتها لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية في شهر يوليو (تموز) الجاري أن ترمب تمكن من التقدم على بايدن في حصص جمع التبرعات بنحو 100 مليون دولار بعدما جمع 757 مليون دولار مقارنة بنحو 746 مليون دولار للرئيس الحالي.
صراع مالي متقلب
ويرجع السبب وراء هذا التحول إلى زيادة تبرعات أصحاب المليارديرات لترمب منذ إدانته غير المسبوقة بجناية في مايو (أيار)، فضلاً عن تبرعات الأفراد من الأميركيين المحافظين والجمهوريين له عقب محاولة اغتياله الفاشلة وعقد المؤتمر الوطني الجمهوري الذي رشحه رسمياً لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، وشهد ترمب ولجان العمل السياسي الداعمة له زيادة في الدعم من كبار المانحين، بمن في ذلك المليارديرات إيلون ماسك وبول سينغر والمستثمر تيموثي ميلون إما بالتبرع أو التعهد بالدعم، وتلقى دعماً من أثرياء تبرعوا سابقاً للديمقراطيين مثل بيل أكمان وجاكوب هيلبيرغ، وهو أحد المديرين التنفيذيين في مؤسسة "بالانتير" الذي تبرع بمبلغ 250 ألف دولار إلى لجنة عمل سياسي مؤيدة لبايدن عام 2020.
في المقابل جمد المانحون لحملة بايدن أموالهم للضغط عليه من أجل الخروج من السباق في وقت أطلق فيه حملة إعلانية بقيمة 50 مليون دولار أحرقت 93 في المئة من الأموال التي جمعها في يونيو (حزيران) الماضي سعياً لتحسين وضعه الانتخابي المتردي من دون جدوى.
وعلى نطاق أوسع، كان لدى حملة بايدن - هاريس واللجنة الوطنية الديمقراطية وفروع الحزب الديمقراطي في الولايات مجتمعة 240 مليون دولار في البنك مع بداية يوليو الجاري، ولكن بعد أسابيع من التكهنات التي أعقبت أداء بايدن الكارثي في مناظرة يونيو وما أعقبها من الظهور العام المليء بالأخطاء، أعلن بايدن انسحابه من السباق وأيد نائبته كامالا هاريس التي جمعت خلال يومين فقط من إعلان ترشحها للرئاسة أكثر من 100 مليون دولار كان معظمها من التبرعات الفردية للأميركيين الليبراليين.
وإضافة إلى التبرعات الفردية، توافر لدى هاريس، التي غيرت حملة بايدن - هاريس، إلى "حملة هاريس للرئاسة" 96 مليون دولار تركها بايدن في صندوق الحملة، بينما لا يملك المانحون كثيراً من الوقت للتبرع قبل نحو 15 أسبوعاً من موعد الانتخابات، ولهذا سارع مانحون مثل الملياردير مايك نوفوغراتز مؤسس شركة "غالاكسي ديجيتال هولدينغز"، والملياردير جورج سوروس أحد أكبر المانحين للديمقراطيين، إلى الإعلان عن جهدهما لدعم هاريس.
ومن الواضح أن خروج بايدن من السباق ومحاولة اغتيال ترمب أسهما كثيراً في زيادة التبرعات من المواطنين الأفراد أو كبار المانحين، سواء لحملة هاريس، أو حملة ترمب، مما يثير أسئلة حول القواعد التي تحكم هذه التبرعات وحدودها ومدى شفافيتها ونفوذها السياسي.
قواعد التبرع
ربما يكون النظام المعقد للتمويل السياسي في الولايات المتحدة مربكاً للغاية في كثير من الأحيان بسبب القوانين الفيدرالية التي تهدف إلى وضع حدود للتمويل لكل من الحملات الرئاسية والسياسيين الذين يترشحون لشغل مقاعد في الكونغرس، ولكن الواقع مختلف تماماً بحسب ستيفن دانييلز المحاضر في القانون والسياسة بجامعة "إيدج هيل"، ونتيجة لهذا الواقع تتدفق الأموال من اتجاهات متعددة.
ووفقاً للجنة الانتخابات الفيدرالية، وهي وكالة حكومية مستقلة تنفذ قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأميركية، لا يمكن للأفراد تقديم أكثر من 3300 دولار بصورة مباشرة لحملة كل مرشح فيدرالي لكل انتخابات، ونظراً إلى وجود انتخابات تمهيدية وعامة، فإن الحد الإجمالي هو 6600 دولار، ويمكن أيضاً التبرع للجنة العمل السياسي التي تعرف اختصاراً في اللغة الإنجليزية باسم "باك" ومهمتها جمع المساهمات المالية للحملات، والحد الأقصى لتبرع الأفراد هو 5000 دولار سنوياً، ويمكن أيضاً التبرع إلى لجان العمل السياسي الكبرى "سوبر باك"، والتي تقبل التبرعات بمبالغ غير محدودة من المال لما يسمى النفقات المستقلة مثل الإعلانات، ولهذا السبب يمكن للمليارديرات مثل إيلون ماسك على سبيل المثال، التعهد بالتبرع بمبلغ 45 مليون دولار شهرياً للجنة العمل السياسي الكبرى المؤيدة لدونالد ترمب.
وإضافة إلى ذلك يمكن التبرع للجان الأحزاب السياسية بمبالغ أعلى بكثير تصل إلى 41300 دولار سنوياً، إذ إن لكل من الديمقراطيين والجمهوريين أذرعاً تركز على سباقات مجلسي النواب والشيوخ.
ومع ذلك، يحظر على المتعاقدين مع الحكومة الفيدرالية وبعض الأشخاص المشاركين في صناعة الخدمات المالية تقديم مساهمات مرتبطة بالانتخابات الفيدرالية، والتبرعات التي تزيد على 50 دولاراً تسجل رسمياً بالمبلغ والاسم والعنوان للمتبرعين، إذ ينتهي بها الأمر في قاعدة بيانات قابلة للبحث مثل "أوبن سيكريتس"، بالتالي يمكن للباحثين الكشف عنها في أي وقت.
ثغرات التمويل
وبينما لا يستطيع الفرد التبرع مباشرة بأكثر من 3300 دولار أميركي كحد أقصى لمرشح فيدرالي، فإن هناك عديداً من السبل الأخرى للتبرع، وقد ينفق الفرد في نهاية المطاف ما يصل إلى 123500 دولار أميركي على مرشح واحد لكل دورة انتخابية مدتها عامان، ولكن هذا المبلغ هو مجرد حد الإنفاق الرسمي.
ويحاول القانون الانتخابي الأميركي إضفاء الطابع الرسمي على مقدار الأموال التي يمكن للمرشح الرئاسي أن يتلقاها وينفقها، ولكن كل محاولة تقريباً لتشريع السيطرة على التمويل تبين لاحقاً أنها تحوي ثغرة، وحتى في ظل هذه البيئة القانونية غير المستقرة، كان لدى أي شخص يرغب في الضغط على مرشح رئاسي أو التأثير عليه مجموعة من الطرق الأخرى، وبخاصة من خلال استخدام لجان العمل السياسي المعفاة من الضرائب.
لجان العمل السياسي
ووجدت لجان العمل السياسي منذ عام 1943 والتي تنشئها شركة أو نقابة عمالية أو مجموعات ضغط من أجل تمويل مرشح ما، ولا يمكنها تلقي الأموال مباشرة من الشركات أو النقابات، ولكن يمكنها قبول التبرعات من الأفراد حتى 5000 دولار سنوياً، ويسمح لها بإعطاء 5000 دولار للسياسيين الأفراد و15000 دولار سنوياً للأحزاب السياسية، ويمكنها إنفاق مبلغ غير محدود على الإعلانات السياسية، طالما أنها لا ترتبط مباشرة بمرشح، وعلى سبيل المثال، هناك حد لعدد الإعلانات التي يمكن شراؤها وتدعو صراحة إلى التصويت لهاريس أو ترمب، ولكن لا يوجد حد للأموال التي تنفق لشراء الإعلانات التي تدعو إلى التصويت لمصلحة قوانين الإجهاض العادلة، أو الحد من الهجرة.
ويعود إنشاء لجان العمل السياسي الكبرى "سوبر باك" إلى عام 2010 بموجب حكم صادر من المحكمة العليا الأميركية آنذاك، حيث كانت القضية تتعلق بمجموعة غير ربحية محافظة تسمى "مواطنون متحدون" أنتجت فيلماً تحت اسم "فيلم هيلاري"، ينتقد المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون خلال حملتها لعام 2008، بعدما قررت لجنة الانتخابات الفيدرالية بأن الفيلم يرقى إلى محتوى انتخابي غير قانوني ومنعت عرضه على قنوات الكابل التلفزيونية قبل الانتخابات التمهيدية لعام 2008، لكن القضية انتهت أمام المحكمة العليا التي حكمت بأن هذا يتعارض مع الحق في حرية التعبير المنصوص عليه في التعديل الأول من الدستور.