قصة اكتشاف نفطي باحتياطيات 11 مليار برميل تخلت عنه 30 شركة

 

لا يزال هناك شعور بالندم يوقظه اكتشاف نفطي ضخم لدى العشرات من عمالقة الطاقة لتفويتهم فرصة تطويره وجني أرباح سخية من احتياطيات الخام الهائلة به.

ولم تكن تلك الشركات تَفطِن -على ما يبدو- في البداية إلى الجدوى الاقتصادية الهائلة لحقل ليزا الواقع في غايانا، وتحديدًا داخل مربع ستابروك البحري قبالة سواحل البلاد.

ويُعَد مربع ستابروك أبرز أصول النفط في غايانا، باحتياطيات تصل إلى 11 مليار برميل، ويديره تحالف ثلاثي بقيادة إكسون موبيل الأميركية بحصّة تصل إلى 45%، ومواطنتها هيس كورب بنسبة 30%، إضافة إلى المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري (سينوك) وحصتها 25%.

ووفق قاعدة بيانات حقول النفط والغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) تمثل بئر ليزا أول اكتشاف نفطي في البلد الصغير الواقع على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية في عام 2015، على يد إكسون موبيل وشركائها، قبل أن يرتفع العدد لأكثر من 30 اكتشافًا بحريًا جديدًا للنفط والغاز في هذا المربع.

التنقيب عن النفط في غايانا

في أواخر عام 2013 كان التنقيب عن النفط في غايانا غير حاضر في قائمة أولويات عملاقة الطاقة الأميركية إكسون موبيل، وغيرها من الشركات الكبرى الأخرى، وفق بلومبرغ.

وكان هناك اكتشاف نفطي على عُمْق ميل واحد من سطح الماء، يُسمى ليزا -على اسم سمكة محلية- وستصل تكلفة التنقيب في هذه البئر إلى ما لا يقل عن 175 مليون دولار.

لكن العديد من صناع القرار في إكسون موبيل لم يُظهِروا -على ما يبدو- اهتمامًا بخوض تلك المخاطرة والبدء في التنقيب بتلك المنطقة، وهو ما انطبق كذلك على باقي اللاعبين الرئيسين في صناعة النفط.

وتضع إكسون موبيل -حاليًا- يدها على ليزا الذي يحوي 11 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج والذي تلامس قيمته قرابة تريليون دولار بالأسعار الحالية.

حقل ليزا

أسهم حقل ليزا في تحويل غايانا من إحدى أفقر الدول في أميركا اللاتينية إلى بلد واعد، يُتوقع له المضي قُدمًا نحو مسيرة تنموية كبيرة للاقتصاد.

وتمضي غايانا على المسار الذي يقودها إلى أن تتجاوز فنزويلا بصفتها ثاني أكبر مُنتِج للنفط في أميركا اللاتينية بعد البرازيل، وفق منصة الطاقة المتخصصة.

وأصبحت غايانا حجر الزاوية للنهضة التي تشهدها إكسون موبيل في أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"؛ إذ تمتلك الشركة التي تتخذ من تكساس مقرًا لها 45% من أسهم اكتشاف بئر ليزا والذي تقل تكلفة بدء الإنتاج منه عن 35 دولارًا للبرميل؛ ما يجعله واحدًا من أكثر حقول النفط المربحة خارج الدول الأعضاء في منظمة أوبك.

ومع تداول أسعار الخام عند 85 دولارًا للبرميل -الآن- ستُحقق بئر ليزا أرباحًا حتى إذا أدّى التحول بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري إلى انهيار الطلب على النفط، وهبطت أسعار الخام، نتيجة لذلك، بواقع النصف.

حقل ليزا.. حكاية مثيرة

تحمل حكاية حقل ليزا حقائق مذهلة عن ماضي الخام ومستقبله، وتستند أحداث تلك الحكاية إلى حوارات أجريت مع أشخاص عملوا بشكل أو بآخر في حقل ليزا، معظمهم غادروا شركة إكسون موبيل.

وتكشف حكاية الحقل عن كيف بالغ الكثيرون في إكسون موبيل بأهمية التحول من النفط إلى الطاقة المتجددة.

وقال رئيس قسم الإنتاج في إكسون موبيل ليام مالون: "حينما كان الجميع يتراجعون، كنا نتقدم إلى الأمام".

ومنذ أن بدأ إنتاج النفط في غايانا في نهاية عام 2019، زادت أسهم إكسون موبيل أكثر من الضعف، مسجلةً أعلى عائدات بين شركات النفط الكبرى.

وتُسلِّط حكاية ليزا الضوء على صعوبة الاعتماد على قوى السوق في التنبؤ بنهاية عصر الوقود الأحفوري.

وكان أنصار "الحركة الخضراء" يأملون في أن تساعد التقنية بأن تحل طاقة الشمس والرياح والمصادر المتجددة الأخرى، محل النفط الذي لم يَعُدْ التنقيب عنه سهلًا على الإطلاق.

ويتخوّف نشطاء البيئية -الآن- من أن تجني إكسون موبيل أرباحًا طائلة من تباطئها في تحول الطاقة، بينما يتحمّل آخرون تكلفة الأضرار الناجمة عن الحفر بالنسبة لكل من المناخ والبيئة الطبيعية في غايانا.

وفي هذا الشأن قالت المحامية الغايانية المعنية بحماية البيئة العالمية ميليندا جانكي: "إكسون موبيل تلوث المحيط والغلاف الجوي دون الاضطرار إلى دفع ثمن تلك التعويضات".

30 شركة

من المرجّح أن منافسي إكسون موبيل الذين فوّتوا على أنفسهم فرصة استغلال اكتشاف حقل ليزا يشعرون بالندم على عدم استغلال الفرص الاقتصادية السخية التي يتيحها الحقل.

وتضم قائمة تلك الشركات البالغ عددها 30: شيفرون الأميركية، وشل متعددة الجنسيات، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.


وتتطلع شيفرون -حاليًا- لإنجاز صفقة استحواذها على شركة هيس كورب الأميركية، إحدى شريكتي إكسون موبيل في غايانا، وتمتلك 30% في المشروع.

لكن تواجه الصفقة تحديات بسبب رفض إكسون موبيل التي حرّكت دعوى قضائية ضد هيس العام الحالي (2024)، زاعمةً أن لديها الحق في الرفض الأول (ROFR) للحصة، غير أن الأخيرة تؤكد أن هذا الحق لا ينطبق على صفقات الدمج.

وعادةً ما يُستَعمل حق الرفض الأول في العقود لتنظيم المعاملات التجارية للأطراف المشاركة في التعاقدات ثلاثية الأطراف، وبموجبه يحق للطرف المالك لهذا البند إبداء رأيه في أي تغيير يطرأ على التعاقد.

إنتاج النفط في غايانا

شهدت غايانا تسارعًا في معدلات إنتاج النفط خلال السنوات الـ5 الماضية، منذ أن بدأ المطورون الأجانب استخراج الخام في عام 2019، حتى العام الماضي (2023).

وتستأثر غايانا بثالث أسرع معدل نمو في إنتاج النفط خارج منظمة أوبك، خلال السنوات الـ3 الماضية

وحل نمو إنتاج النفط في غايانا بالمركز الثالث خلف الولايات المتحدة والبرازيل خلال المدة من 2020 إلى 2023، ثم النرويج والصين والمكسيك وكندا والأرجنتين وقطر وعمان على الترتيب.

ومنذ عام 2019 تشهد غايانا زيادة في معدل إنتاج النفط الذي لامس 645 ألف برميل يوميًا حتى أوائل 2024، بحسب تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية.