حال الأغلب منهم "كشيش حمام"

  نضال المجالي

محاولات مستمرة دون توقف يعيشها بعض الباحثين عن فرصة حجز مكانه المأمول، بدءاً من التفكير باحتساب عدد الحمام في شباكه، إلى متاهة إقناع الآخرين بأنه الأكبر فرصة بين أقرانه في هذا المجال، يتبعها مناوشات الإجماع والاختيار لأبرز كشيش على مستويات مختلفة تفرضها المساحات المفتوحة للأسطح، منطلقا بعدها لرحلة البحث واختيار مجموعة المحترفين في كش الحمام أو الانضمام حشوة في سباق الكش مع غيره، 

وصولا لتسجيل اسمه على قائمة «الكشاشين»، ومباشرة الحديث باسمه هنا وهناك، وكل ذلك أشبه بدوامة أو بؤرة إعصار لا تنتهي، تارة تعيده لنقطة البداية ومدى جودة ما اتخذه من قرار لخوض التجربة، وتارة تجلسه في زاوية منزله يعض أصابعه ندما على سوء قرار اتخذه أفقده مكانته وسمات شخصيته تملقا، وتارة تحلّق به في خيالات العيش والعبث في العش واتساع أبواب المصالح غير المنتهية.

هذه الأيام لا تكاد تخلو حارة أو قرية أو مدينة أو حتى جلسة على رصيف من «كشيش حمام»، بين مخضرم متمرس وبين هاو متفلسف، في محاولات متكررة لجمع أكبر عدد من الحمام في شباكه ومصائده، تحت أكثر من ذريعة مجتمعية منسوخة، حتى تحولت تلك الجلسات إلى مصدر إزعاج دائم، فصوت التصفير والتطبيل والعرط والتهليل الذي يصدره «كشيش الحمام»، بين الادعاء أنه الخيار الأول والمصنف المدعوم أو المسنود،

وبين الوعود الكاذبة لمنصب أو غيره، وكل ذلك ليجعل طيوره المحتملة تحلق في السماء مسافة أعلى، متناسين أنهم طاروا في الهواء دون عودة، حتى أصبح حضوره كفيلا بأن يحرمك من هدوء التفكير لتختار الأفضل، ليكون لقاؤهم وحوارهم سببا لصداع فكري حاد، 

عداك عن الأذى الذي تسببه الحجارة التي يرمون فيها منافسيهم المتوقعين، حتى وصلت صراعات الكشاشين فيما بينهم تأخذ طابعاً من الشراسة والضرب فوق أو تحت الحزام في معظم الأحيان، مما يؤكد أنها ستتسبب في عواقب خطيرة. كل هذه المناكفات في محاولات لجمع قائمة أبرز الأنواع المستقطبة «للعتبة»، أو سحب وتطيير حمام غيره، مما جعلت «كشيش الحمام» يظهر أمام المجتمع كاملا بصورة المزعج المسبب للمشاكل وغير المحبب، مما يفقدنا الثقة ببعضهم وبقبول شهادة البعض حتى قبل تقلده لقب سعادة العضو الكشيش.

ولا يغيب عنا في هذه الأيام الكثير من طرائف «كشيشة الحمام» فتراهم إما على صحن حمص في ورشة ميكانيك مدعيا التواضع والقرب لحمام غيره، أو يحمل مكنسة في شارع عام ويرسل من يلتقط صورته تحت عنوان» صورني وأنا مش شايف»، أو يتقبل عزاء لميت مجهول الهوية بالنسبة له،

 أو يكثر من التهاني والتعزية ولا يغيب عن مناسبة ما دام فيها فرصة لجلب حمام جديد، والأجمل أنهم بعد غياب وتغيب أصبحوا أسرع من مركز خدمة الزبائن «كول سنتر» في إجابة الاتصالات، حتى وصلت سرعتها للإجابة من الرنة الأولى، وأكثر طريفة خاصة أعجبتني أن «كشيشة الحمام» وعلى منصات التواصل الاجتماعي تستجدي الالتحاق والإيقاع بمجموعة طيور محلقة، كانت ذاتها ممن لقبتهم سابقا بالطيور المهاجرة، لتكون النتيجة أن الجميع أسقطوها من حساباتهم، وكل ذلك بعد أن امتلأ سجل الكشيش بالنكران والتملق والفواتير المدفوعة من غيرهم مسبقا وركوب بعض الخيول غير المحلية.


ولكي نزيد من الثقافة في هذا المقال حول الموضوع ما أمكن، لا بد من الإشارة إلى أنواع العلاقات والاتصال التي تنشأ بين «كشاشي الحمام» خلال هذه الفترة والتي تتوافق فعلا مع أصحاب هذه الهواية حقيقة وحسب قانونهم، الأولى تسمى كش «صلح» وهو اتفاق حلف بين كشيشين أو أكثر بحيث لا يجوز أن يصطاد أي منهم طيور الآخر، والثانية هي علاقة «صيد» أقرب ما تكون إلى حالة الحرب يحاول فيها كل من الكشيشين استدراج طيور الآخر واصطيادها لصالحه، ولا يعيدها إليه إلا مقابل فدية يقال لها «الفكاك» وطبعاً في هذه الحالات لا يتردد صاحب الطير بدفع فديته لأن طير الحمام بالنسبة إلى صاحبه في مرتبة عالية فهو مستقطب أساس وفرصته للتقدم.


وفي الجهة المقابلة بعيدا عن المعنيين من المقال، هناك المحترف المخضرم حتى لو كان بتجربة جديدة واسم جديد، هو وجه لا يشبههم، ولا يوصف بوصفهم، وأحيانا لا يليق أن يجمعهم حديث أو مقال أو سقف واحد، هم فئة مختلفة تتقدم ونقدمها، هم نموذج يلتف الجميع حولهم قناعة وثقة ووعيا، سأتفرد بالحديث عنهم في مقال منفصل حتى لا يختلط وزنهم بشباك الآخرين.