إما تسليم الأرض أو الموت الجماعي
رحيل غرايبة
حرب إبادة القيم التي جرت في الكونغرس أمس لا تقل ضرراً عن حرب إبادة البشر في غزة. ومعارك دفن الحقائق في مجالسهم التشريعية لا تقل خطراً عن معارك دفن جثث القتلى تحت الأنقاض في الشجاعية وخان يونس وتحت ركام المستشفيات المدمرة في جميع أنحاء غزة. المجازر المروعة التي يشنها قادة الاحتلال ضد الحقائق الناصعة والجهود المبذولة في تزوير التاريخ وقلب الوقائع أشد وقعاً علينا مما يجري من تدمير مقومات الحياة في غزة وجعلها غير قابلة للحياة والعيش.
مسرحية التضليل وعملية الإخراج السينمائي التي تمت بعناية وتخطيط مسبق في حفل الاستقبال لأكبر مجرم حرب في العصر الحاضر، حيث تم التصفيق له وقوفاً 81 مرة، تمثل أقوى رسالة لأمة العرب والمسلمين التي يراد وصفها بالهمجية والتوحش والإرهاب، وأنها عدو التقدم الغربي إذا بقي فيها من يفكر بمقاومة الاحتلال المفروض عليها بكل قوة وصلف وغطرسة.
كانت الرسالة واضحة لنا جميعاً: إما الاستسلام الطوعي الناعم أو التدمير والمسح عن وجه البسيطة. إما تسليم الأرض والمقدرات ومقاليد الإدارة والسياسة لهم ولجنودهم، وإما الموت الجماعي بالجملة تحت الأنقاض وركام غبار الجثث المحترقة.
ويقولون بالفم الملآن: كل هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها والمحاكم الدولية وقراراتها ومنظمات حقوق الإنسان وتوصياتها كلها لتنظيف حوافر خيلنا الملوثة بدماء أطفالكم ونسائكم.
ثم يأتي من لا يفهم الحقيقة من بيننا ويؤيد أقوالهم ويحمل رسائلهم تحت وهج إعلامهم أو لمعان دولاراتهم أو الخوف من تهديداتهم.
بقي أن نقول: إن الخطر الأعظم من كل ما سبق هو ذلك العدو القابع بين ظهرانينا الموكل بتفريقنا ومنع وحدتنا، وتضليلنا وتجهيل أجيالنا، وتدمير إنتاجنا وقوتنا، وهدر أموالنا، وإشعال الحروب فيما بيننا وفي كل أقطارنا، وإغراقنا بالديون والتبعية الدائمة والكاملة لهم... حتى لا نستيقظ ولا ننهض ولا نقاوم ولا نحمي أوطاننا ولا نبني إنساننا ولا نستأنف دورنا الإنساني الحضاري.