محاولات حثيثة لتصفية وكالة "أونروا"


نبيل السهلي 

تسعى إسرائيل وبدعم أمريكي، إلى تصفية وكالة "الأونروا" من خلال تجفيف المساعدات المالية لها بدايةً، وتالياً تغييب الشاهد الدولي على نكبة الشعب الفلسطيني وبروز قضية اللاجئين الفلسطينيين كنتيجة سياسية مباشرة للمجازر الإسرائيلية بدعم غربي على كافة المستويات؛ وارتفعت وتيرة المخاوف حول تصفية "الأونروا" بعد تصريحات لمفوضها العام "فيليب لازاريني" أخيراً الداعية إلى إحالة خدمات الوكالة لجهات دولية أخرى نيابة عنها؛ وهي بطبيعة الحال مقدمة لوقف عمل الأونروا وتغييبها؛ لكونها تتضمن مؤشراً سياسياً هاماً لقضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تعتبر من القضايا الجوهرية؛ طالت القسم الأكبر من أراضي فلسطين التاريخية والشعب الفلسطيني في ذات الوقت.

عمليات الأونروا

تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسية بامتياز؛ والمسؤولية السياسية والأخلاقية والإنسانية المباشرة تقع على كاهل دولة الاحتلال وداعميها في الغرب؛ وبعد انطلاقة عمل الأونروا لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في إطار مناطق عملياتها الخمس في أيار/مايو 1950؛ رفض اللاجئون الفلسطينيون بداية التعامل مع وكالة الغوث واستلام مساعداتها الغذائية.

وقد تضمنت أناشيد الثورة الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات، أنشودة الشعب الفلسطيني "ثورة"، للشاعر الراحل محمد حسيب القاضي، التي كان من أهم أبياتها الشعرية: "ولعوا النار بهالخيام وارموا كروتة التموين"، لتصبح الأونروا فيما بعد ضرورة لتقديم الخدمات التعليمية والصحية للاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة، الأمر الذي ساعد في ارتفاع معدلات التعليم، وهذه حقيقة يجب عدم إنكارها. 

تتنوع الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين المسجلين لديها ما بين التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، وتغطي كل المخيمات الفلسطينية البالغ عددها 58 مخيماً. وتتوزع مخيمات اللاجئين بواقع 12 مخيما في لبنان و10 في الأردن و9 في سوريا و27 في الأراضي الفلسطينية، بواقع 19 مخيما في الضفة الغربية و8 في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 364 كيلومترا مربعا. كما تدير الأونروا نحو 900 منشأة بين مدرسة وعيادة صحية ومركز تدريب مهني، يعمل فيها حوالي 30 ألف موظف وموظفة في مناطق عمليات الوكالة في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. ومن بين هذه المنشآت، هناك 703 مدراس، ما يعني أن البرنامج التعليمي الذي تديره الأونروا يعدّ من أكبر برامج الوكالة، ويستحوذ على أكثر من نصف ميزانيتها المقدرة بنحو مليار ومائتي مليون دولار سنوياً. 

ويعدّ قرار إنشاء الأونروا من قبل الأمم المتحدة في عام 1949، وانتشار خدماتها في عام 1950، اعترافاً أممياً بقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا تساهم بعض دول العالم في تقديم هبات ومساعدات سنوية للأونروا؛ بغية الاستمرار في عملها في مناطق عملياتها الخمس، وفق موازنة سنوية مقدرة لكل منطقة حسب عدد اللاجئين والخدمات المقدمة. ولهذا؛ فإن استمرار عمل الأونروا أمر ضروري، ناهيك عن كونها الشاهد الدولي الوحيد على نكبة 48 ومسؤولية دولة الاحتلال الصهيوني والغرب عن ظهور قضية اللاجئين الفلسطينيين.

قضية جوهرية

مرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" منذ اتفاقات أوسلو 1993 بظروف صعبة، وتعرضت لحرب مخطط لها بالاتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة لجهة تصفيتها ومن ثم "شطب" قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة إلى وطنهم فلسطين؛ وقد تكون أحد الخطوات اللاحقة شطب القرار "194" من أجندة الامم المتحدة؛ 

وفي هذا السياق تعدّ قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ القضية الدولية الأطول عمراً بين قضايا اللاجئين في العالم، رغم أن المجتمع الدولي أقر عام 1948 ضرورة وجوب عودتهم إلى ديارهم، كحق ثابت من حقوقهم في تقرير مصيرهم. وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949 ولدت الأونروا، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، وبدأت مزاولة أعمالها في الأول من أيار/ مايو 1950، بغية توفير الخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في 58 مخيما أُنشئت لأجلهم في الأردن وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. 

ورغم مرور أكثر من اربعة وسبعين عاما على تأسيسها، ما زالت "الأونروا" تقدم خدماتها لاكثرمن ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في قوائمها. وتشير سجلات الأونروا إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها يقدر بستة ملايين وأربعمائة ألف لاجئ فلسطيني، وهذه الأرقام تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيش نحو ثلثهم في المخيمات. ويشكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون لدى الأونروا ما نسبته 17 في المائة من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى الوكالة، ويشكلون نحو 26 في المائة من سكان الضفة. أما في قطاع غزة، فبلغت نسبتهم 25 في المائة من إجمالي اللاجئين، ويشكلون أيضا 66 في المائة من سكان القطاع.

 أما على مستوى الدول العربية، فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الوكالة في الأردن 39 في المائة، في مقابل 9 في المائة في لبنان، في حين بلغت النسبة في سوريا، قبل اندلاع الثورة السورية، 10 في المائة، ثلثهم كان يتركز في مخيم اليرموك الذي تم تدمير القسم الأكبر منه في نيسان/ أبريل 2018.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن حوالي 42 في المائة من مجمل السكان في الضفة والقطاع هم من اللاجئين الفلسطينيين. واللافت أن هناك كثافة سكانية مرتفعة في مخيمات قطاع غزة، الأمر الذي يزيد من أوضاعها البائسة أصلا؛ في ظل حصار إسرائيلي مديد للقطاع. وثمة مخاطر جمة تهدد مستقبل الأونروا؛ وسيف العجز المالي جاهز لإشهاره بين فترة وأخرى، حتى وصل الأمر إلى طرح أفكار من مفوضها العام لنقل خدماتها إلى منظمات دولية، لطمس وتغييب دورها على أنها الشاهد السياسي الدولي على النكبة، لكن حراكات اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم وتأكيدهم على أهمية استمرار عمل الأونروا لتقديم الخدمات لهم لحين عودتهم.