بايدن ومحاولة اغتيال ترامب: تداعيات على السياسة الداخلية والخارجية

 د. عامر السبايلة

لا شك أن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس السابق دونالد ترامب سرعت في انتقال اهتمام الإدارة الأميركية الحالية إلى الداخل الأمريكي، وفتحت الباب بشكل واضح على أزمة الديمقراطيين في اختيار مرشح للرئاسة أو حتى الاستمرار في ترشيح الرئيس الحالي بايدن.

محاولة الاغتيال هذه وضعت إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية في موقف الدفاع عن أنفسهم وجعلتهم مضطرين لنفي تهم التقصير عن أنفسهم أو حتى تهمة التحشيد ضد ترامب، مما سيحدد قدراتهم أيضًا في استهداف ومهاجمة ترامب لاحقًا. المحددات أمام إدارة بايدن توسعت لتشمل أيضًا قدرتها على محاولة السعي لتهدئة الأوضاع الإقليمية في المنطقة عبر التفاهمات المرحلية مع النظام الإيراني بصورته الجديدة «الإصلاحية» والذي كان يستعد للاستفادة من الشهور المتبقية في محاولة عقد صفقة مع الولايات المتحدة وأوروبا.

فظهور تقارير تتهم إيران بصورة مباشرة في الضلوع في ترتيب محاولة اغتيال ترامب، يضيف محددا آخر إلى المحددات الكثيرة التي باتت تحد من قدرة إدارة بايدن على إنجاز شيء ملموس في الشهور الثلاثة القادمة.

إذاً، لا تغيير يذكر على مشهد الأزمة في غزة، وعدم القدرة على إغلاق جبهة لبنان، ومؤخرًا تفعيل جبهة العراق واليمن، مما يعني أن المشهد بات مفتوحًا أكثر على فكرة المواجهة المباشرة في ظل غياب القدرة الدبلوماسية على إغلاق ملف التصعيد الحالي. وحتى يكتمل المشهد، جاء تصويت الكنيست الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية ليجعل من أي محاولات دبلوماسية للحل صعبة غير قابلة للتطبيق. مع إغلاق آفاق الحل واستمرار الأزمة تصبح استراتيجية إطالة أمد الأزمة بهدف التعامل مع إدارة أمريكية جديدة، الهدف غير المعلن لكثير من الأطراف وأهمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيايمن نتنياهو، مما يعني أن فرصة إيجاد الحلول الدبلوماسية تقل لصالح خطر التصعيد في العمليات العسكرية الاسرائيلية على عدة جبهات وبشكل أكبر وأوسع والتي قد تشمل العراق واليمن بالإضافة إلى جبهتي سوريا ولبنان.

بالرغم من أن هناك جهودا حقيقية لمنع اندلاع حرب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، والعمل بشكل جاد لاحتواء خطر اندلاع الحرب في لبنان عبر خطوات عملية ومن خلال وساطات دولية، إلا أن الاستراتيجية الإسرائيلية ستُبقي على عملية ضرب الأهداف في الداخل اللبناني والسوري بناء على معلومات استخبارية، وهو ما ترغب إسرائيل بالقيام به لأطول مدة ممكنة باعتبار أن حال الفوضى الحالية وحالة عدم الوصول إلى حلول يسمح للإسرائيلي بالقيام بعمليات متى شاء دون رادع أو موانع حقيقية.

هذا الوضع بشكل عام وغياب القدرة الأميركية على فرض نوع من أنواع التسوية قد يؤدي إلى الإبقاء على الوضع في غزة على ما هو عليه، وبالتالي فإن استراتيجية إسرائيل ستعمل على التركيز بشكل كبير على تحقيق هدفين رئيسيين أولهما تعميق الأزمة الإنسانية بهدف تعظيم حالة الإحباط والحنق الشعبي في محاولة لتجريد حماس من أي حاضنة شعبية في غزة، أما الهدف الآخر فسيتركز على تنشيط دائرة استهداف قادة حماس العسكريين بشكل كبير، بهدف إظهار تعظيم صورة قدراتها العسكرية والاستخبارية وتعزيز مسألة تفكيك قدرات حماس العسكرية.

من هنا يمكن النظر إلى العملية الأخيرة التي استهدفت تل أبيب بطائرة مسيرة، على أنها الرسالة الأهم والأبرز في محاولة إعادة بناء استراتيجية الردع. فإسرائيل في الشهور التسعة الأخيرة لم تتعرض لخطر داخلي حقيقي، أو خطر نقل التهديد الأمني إلى المدن الإسرائيلية الرئيسية، وبالانتقال لهذا التكتيك، فإن الهدف هو إرسال رسالة لإسرائيل عبر رفع كلفة الرد على الاستمرار في الحرب، خصوصًا عندما يكون الاستهداف من مناطق بعيدة وليست من لبنان أو سوريا، وليست من حزب الله بصورة مباشرة مما يعني أن إعادة تفعيل فكرة وحدة الساحات هي الاستراتيجية الأبرز لاستهداف إسرائيل من جهة وعدم إعطائها أي مسوغ للاستهداف أو الرد في لبنان على سبيل المثال.