ما هي سياقات ودلالات عملية “داعش” في سلطنة عمان؟

د. عمر الرداد


تطرح العملية التي نفذها تنظيم داعش، في سلطنة عمان ضد "شيعة” غالبيتهم من جنسيات اسيوية،كانوا يقيمون احتفالية بيوم عاشوراء بمسجد في العاصمة العمانية مسقط” منطقة الوادي الكبير” واسفرت عن مقتل تسعة أشخاص، بينهم ثلاثة من المهاجمين وشرطي إضافة إلى إصابة 28 شخصاً من جنسيات مختلفة، بينهم أربعة أشخاص من رجال الشرطة والدفاع المدني ،العديد من التساؤلات المرتبطة بجهة التنفيذ وهي داعش، والهدف من العملية ودلالاتها، لا سيما لناحية التوقيت،بالاضافة لساحة التنفيذ وهي سلطنة عمان المعروفة بالوسطية والاعتدال، والتنوع المذهبي، بالاضافة الى الاستقرار وتوفر عوامل الامان و مفاهيم السلم المجتمعي، ورغم إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن العملية، إلا أن تلك التساؤلات ستبقى قائمة، وفيما يلي قراءة اولية لهذه العملية:

اولا: أعلنت وكالة الأنباء العمانية” الرسمية” نقلاً عن الشرطة العمانية، أن العناصر الثلاثة المتورطين في واقعة إطلاق النار هم عمانيون، وأنهم إخوة ولقوا حتفهم بعد اشتباكات مع رجال الأمن ، وان التحريات والتحقيقات اثبتت أنهم تأثروا بأفكار ضالة، ويرجح أن هذا البيان بدد سيناريوهات تتضمن اسئلة حول جنسيات عناصر التنفيذ، وبذلك تم نفي احتمالات دخول عناصر التنفيذ من خارج الحدود العمانية،لكن جملة انهم "تأثروا بافكار ضالة”، ربما تشير إلى ان العناصر مرتبطون تنظيما مع داعش، وانهم خلية نائمة، وربما هناك عناصر اخرى،هي التي أبلغت قيادة داعش بالعملية، إذ تم الاعلان عنها مباشرة، قبل ان تعلن وسائل الإعلام الرسمية في السلطنة أية بيانات حول العملية.

ورغم ذلك فإن هذه الإشارة المقتضبة في بيان وكالة الأنباء العمانية، تطرح تساؤلات حول البيئة الحاضنة وفيما اذا كان هناك تيار "سني”لديه تحفظات على التنوع المذهبي في سلطنة عمان، بالاضافة لكيفية حصول المجموعة على السلاح،واتصالاتهم السابقة داخليا وخارجيا


ثم لماذا تم تنفيذ العملية في منطقة العاصمة وليس في مناطق بعيدة عنها، رغم أن إقامة عناصر التنفيذ وتوفر الهدف ربما كانت سببا في ذلك، وبالتزامن فإن كون عناصر التنفيذ”اخوة” فإن هذه العلاقة العائلية تثبت مقولات ومقاربات تحليلية بتحولات في الاستقطاب والتجنيد لدى تنظيم داعش، وكيف انها اصبحت تاخذ ابعادا عائيلية، ولا يستبعد ان هذا البعد يوفر بالدرجة حصانة”مفترضة” ضد الاختراق الأمني.

ثانيا: ان مرجعية العملية تعكس أحد أبرز وجوه إستراتيجيات تنظيم داعش العالمية "فكرة العداء للشيعة” الى جانب استراتيجيات اخرى "العداء لامريكا والغرب الكافر”” مهاجمة الانظمة والحكومات العربية والاسلامية بوصفها انظمة وحكومات طواغيت”” مهاجمة عوام المسلمين الذين يوالون الطواغيت” فهذه المرجعية شكلت تبريرا للكثير من العمليات التي نفذها التنظيم في سوريا والعراق وحتى داخل ايران،وفي افغانستان وباكستان ودول إسلامية في آسيا الوسطى،وتعكس خيارات التنظيم في تحديد مرجعية كل ساحة مستهدفة، فالعملية لا أبعاد سياسية لها، فالهدف ليس قواعد امريكية او بريطانية، او سياح اجانب، ولا استهدفت شحنة اسلحة، ولا اجتماعا أمنيا يعقد في احد الفنادق "لملة الكفر”.و

ربما يكون مناسبا هنا الاشارة إلى أن التنوع المذهبي في اية دولة يشكل مدخلا لتنظيم داعش لتنفيذ عمليات ارهابية، كما يشكل مدخلا في الوقت نفسه مساويا له بالنسبة لايران، وهو ما يؤكد ان المستفيد من الحروب المذهبية هما "داعش وإيران”

ثالثا: يدرك التنظيم ان تنفيذ عملية في دولة مثل سلطنة عمان ستلفت الانتباه اليه مجددا،وتعيده للاضواء، وهو ما تحقق فعليا، في ظل متغيرين ،وهما الاول: ارسال رسالة باستمرار قدرات "داعش” على التمدد والاستقطاب وقدرته على الوصول الى مناطق جديدة،وتنفيذ عمليات فيها، بعد ثبوت تراجعه، وتصفية خلفائه الاربعة، وتشتت قياداته وكوادره واعتماده لامركزية لخلاياه وتنظيماته، بمنحها حرية اختيار الأهداف والتخطيط وتوفير الدعم اللوجستي للعمليات بما يتناسب مع ظروف خلايا التنظيم في كل ساحة، وذلك بعد تعرضه لضربات موجعة تلقاها ،خلال السنوات الماضية، في العراق وسوريا، ساهمت في تخفيض مستويات خطر تهديده، رغم استمرار احتفاظه بقدرات على شن هجمات في ساحات عديدة، لا سيما من قبل تنظيمات موجودة قبل ظهور داعش، وارتبطت معه او مع القاعدة تنفيذا لمبدأ "البيعة”، والثاني: ان التنظيم يواجه حرجا شديدا،بعد عملية طوفان الاقصى، وانطلاق الحرب بين اسرائيل وحماس، فقد أكد عبر بيانات مقتضبة ان هذه الحرب لا تعنيه، وهو ما طرح تساؤلات تشكك بالتنظيم واهدافه، واعادت سرديات قائمة بتبعيته لاجهزة استخبارات عالمية وفي مقدمتها الاستخبارات الامريكية.

الخلاصة
عملية داعش في سلطنة عمان، ورغم ما حققته للتنظيم من إعادة الاضواء والاعلام، إلا أنها قد تطرح اتجاهات ليست جديدة في تنفيذ العمليات، وهي اللامركزية في ادارة الخلايا والشبكات، وهو ما يتيح لخلايا التنظيم تنفيذ عمليات متنوعة” اطلاق نار، انتحاريين، دهس، تفجيرات” بالاضافة لتنوع الاهداف” قواعد عسكرية وغربية، جيوش وطنية وعناصر أجهزة امنية، سياح، فنادق، مراكز ومنشآت اقتصادية…الخ”،.