ما أبرز سيناريوهات ما بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال (ترامب)؟
د. عمر الرداد
بمعزل عن الشكوك التي تم التعبير عنها بمضامين تستند إلى نظرية المؤامرة في التعقيب على عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، إلا أنّ كل المؤشرات تفضي إلى نتيجة واحدة، وهي أنّ ترامب استفاد من هذه المحاولة الفاشلة، وبصورة عززت من احتمالات فوزه، وجعلت الناخب الأمريكي "يتعاطف" معه، بدلالة نتائج استطلاعات متخصصة بقياسات الرأي العام أكدت أنّ نسبة تأييد ترامب ارتفعت إلى (68%)، وهي نسبة لم يكن بمقدور ترامب تحقيقها بهذه الصورة، وإن كانت مؤشرات سابقة على نتائج هذه الاستطلاعات قد أكدت تقدمه على منافسه الرئيس (بايدن).
ومع ذلك، فالواضح أنّ للعملية بُعدين في الإطار التحليلي؛ الأول: جنائي مرتبط بتفاصيل تنفيذ العملية التي خضعت لاستثمار إعلامي من قبل الحزبين "الجمهوري والديمقراطي"، ويبدو أنّ الشكوك جاءت من قبل الديمقراطيين، عبر طرح سيل من التساؤلات التي تشكك بالعملية، بما فيها دوافع الفاعل، والرصاصات المستخدمة، والصورة التي ظهر عليها ترامب، والتي وصفت بأنّها "هوليودية"، في إشارة إلى أنّها تقارب عملاً درامياً ومسرحياً، لا سيّما صورة "البطل" التي حاول ترامب الظهور بها بتلويحه بيديه، بعد أن تمكن من النجاة من محاولة الاغتيال، بالإضافة إلى تساؤلات حول المسافة التي أطلق منها الفاعل النار، ومقابل كل ذلك لم يتحدث الجمهوريون عن الفاعل، ولا عن العملية إلا بحدود اتهام اليسار الديمقراطي بأنّه المسؤول عن توفير بيئة حاضنة للعنف السياسي، إضافة إلى شكوك بالخدمات السرّية لحماية الشخصيات، وإجراءاتها لتوفير حماية مناسبة لترامب.
سيناريوهات ما بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، رغم تعددها، إلا أنّ قاسمها المشترك هو أنّها صبّت في صالح ترامب
أمّا البُعد الثاني للعملية، فهو بُعد سياسي مرتبط بالحملات الانتخابية للجمهوريين والديمقراطيين، فقد حاول الحزبان استثمار الحادثة لصالحهما، فترامب معنيّ بهذه المرحلة بمحو صورة الرئيس المتمرد على القانون، المتهم بإثارة الفوضى والعنف، وتبديد اتهامات الديمقراطيين له بالتهرب الضريبي والتحرش الجنسي، إضافة إلى قائمة طويلة من الاتهامات الشخصية، بالمقابل فقد كان واضحاً أنّ الديمقراطيين واجهوا أزمة جديدة، لا سيّما بعد أزمة أداء بايدن قبل أسبوعين في المناظرة التي جرت مع ترامب، والانتقادات التي وجهت لبايدن، حتى من قبل أوساط بالحزب الديمقراطي، وهي المناظرة التي أنتجت سياقات جديدة تطالب بايدن بالتنحي وطرح مرشح بديل له لمواجهة ترامب، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
لكن ما كان لافتاً هو أنّ شعارات رفض العنف السياسي والتأكيد على الوحدة الوطنية، قفزت بصورة مشتركة في خطاب الحزبين، وهي شعارات تنتمي لفضاءات الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين، لا سيّما أنّ مواقف ترامب من قضية حمل السلاح في أمريكا تتضمن تأييداً ضمنياً لاستمرار حيازة الأسلحة، مقابل مواقف متشددة تجاه هذه القضية من قبل بايدن والديمقراطيين، وبالتزامن فإنّ خطاب ترامب بقاموس من بين مفرداته الوحدة الوطنية ورفض العنف يتناقض مع تاريخ من تأييد العنف وممارسته، على الأقل وفقاً لاتهامات الديمقراطيين له، ولعل ذلك يؤكد قناعة ترامب بأنّ هذا الخطاب سيسحب من رصيد الديمقراطيين، في ظل حالة تعاطف واسعة نشأت بعد محاولة اغتياله.
لا شكّ أنّ عملية الاغتيال الفاشلة ستسهم في تعزيز شعبية ترامب، خاصة أنّ وقائع تاريخية مشابهة تؤكد أنّ مثل هذه العمليات تعزز فرص القادة الشعبويين، ويشار هنا إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، وكيف أصبح بعدها في نظر الجمهور باعتباره شخصية وطنية تحارب الفساد، وقد فاز جايير بولسونارو برئاسة البرازيل بعد تعرضه للطعن على يد أحد اليساريين في تجمع انتخابي بين مؤيديه.
لا شكّ أنّ عملية الاغتيال الفاشلة ستسهم في تعزيز شعبية ترامب، خاصة أنّ وقائع تاريخية مشابهة تؤكد أنّ مثل هذه العمليات تعزز فرص القادة الشعبويين
ومع ذلك فمن غير الواضح الكيفية التي سيواصل ترامب من خلالها استثمار حادثة الاغتيال الفاشلة والبناء عليها، وفي تقديرنا أنّ هذا الاستثمار والاحتفاظ بما تحقق سيبقى معلقاً بـ (3) شروط؛ أوّلها: نتائج التحقيقات الأمنية بالحادثة، بما فيها الإجابات عن تساؤلات الديمقراطيين وشكوكهم حول العملية برمتها، فإذا ثبت أنّها مسرحية فربما تنقلب الأمور ضد ترامب، خاصة أنّ الجمهوريين لا يتحدثون عن العملية إلا في إطار إدانة الديمقراطيين وتحريضهم، وهي دعاوى قد لا تصمد في حال ثبوت أنّها مسرحية، والثاني: قدرة ترامب نفسه على ضبط خطابه وعدم نسف الصورة التي ظهر عليها، في ظل انفلاتاته غير المحسوبة في خطاباته خلال الأشهر القادمة من الحملة الانتخابية، فمن المؤكد أنّ أيّ "هفوة" قد تطيح بصورة "المظلومية" التي يحاول تسويقها، ولا شك هنا أنّه سيكون أمام اختبارات بخصوص قضية اقتناء وحمل الأسلحة لدى الأمريكيين، وهي إحدى قضايا الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، أمّا الشرط الثالث، فيرتبط بخطة المواجهة وتفكيك مشهد المظلومية في صورة ترامب من قبل الديمقراطيين، ومن غير الواضح النجاحات التي يمكن أن يحققها الديمقراطيون هنا في ظل الكثير من عوامل ومظاهر الضعف، لكن المرجح أنّ خلايا أزمات إعلامية وسياسية تعمل ليلاً نهاراً لإعداد خطط تعيد ترامب إلى المربع الأول الذي يتضمن عناوين الزعيم المتمرد الذي سيقضي على قيم الديمقراطية، ويعمل على تقسيم المجتمع الأمريكي، ضارباً بالوحدة الوطنية للشعب الأمريكي عُرض الحائط.
وفي الخلاصة؛ فإنّ سيناريوهات ما بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، رغم تعددها، إلا أنّ قاسمها المشترك هو أنّها صبّت في صالح ترامب، إلا أنّ العبرة ستكون بقدرة ترامب على مواصلة استثمارها، ويرجح أن ذلك سيكون موضع شكوك، إلا إذا استمرت حالة الارتباك في أوساط الديمقراطيين.