الانتخابات وتأثيراتها الاقتصادية على الساحة العالمية
بإلهام: المهندس رائد الصعوب
تلقي التحولات السياسية والانتخابات بثقلها على الأوضاع الاقتصادية في العديد من الدول. في هذه المقالة، سنتناول بشيء من التفصيل الانتخابات الأخيرة في فرنسا وبريطانيا وإيران، وسنسلط الضوء على تأثيراتها الاقتصادية والتحديات التي تواجهها هذه الدول في ظل التحولات السياسية الراهنة.
الانتخابات الفرنسية وتأثيرها الاقتصادي
تصدر الانتخابات الفرنسية المشهد الاقتصادي العالمي نظرًا لأهميتها الكبيرة. بعد الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شهدت فرنسا تحولات سياسية عميقة. في الجولة الأولى، أظهرت النتائج تفوق اليمين المتشدد بقيادة مارين لوبان، رغم أن الرئيس الفعلي للحزب هو جوردون برديلة. ومع ذلك، كانت الاستراتيجية السياسية المعروفة باسم "الجبهة الجمهورية" هي التي قلبت الموازين.
الجبهة الجمهورية هي تحالف بين الأحزاب التقليدية التي تنسحب فيها الأحزاب ذات الفرص الضعيفة لصالح الأحزاب الأقوى، لتجنب تفتيت الأصوات لصالح اليمين المتشدد. هذه الاستراتيجية أدت إلى تقدم التكتل اليساري بقيادة جان لوك ميلانشون، الذي يعتبر الآن خصمًا رئيسيًا لليمين المتشدد.
هذه الديناميكية أدت إلى تعزيز موقف التكتل اليساري الذي يضم أربعة أحزاب رئيسية، بما في ذلك حزب "فرنسا الأبية" بقيادة جان لوك ميلانشون. ومع ذلك، لم يتمكن أي تكتل من الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، مما خلق برلمانًا معلقًا، وهو وضع نادر في التاريخ السياسي الفرنسي منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام 1958. هذا الوضع السياسي الجديد يضع فرنسا في حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث ستواجه صعوبات كبيرة في تمرير القوانين والإصلاحات الضرورية، مما يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي. سياسات اليسار المتشدد التي تتضمن زيادة الإنفاق وخفض سن التقاعد قد تؤدي إلى زيادة العجز المالي في دولة تبلغ ديونها أكثر من 110% من ناتجها المحلي الإجمالي.
بريطانيا: عودة حزب العمال والتحديات الاقتصادية
شهدت بريطانيا فوزًا ساحقًا لحزب العمال في الانتخابات الأخيرة، مما أنهى فترة حكم حزب المحافظين التي استمرت لسنوات طويلة. هذا الفوز جاء بعد سلسلة من الأزمات، بما في ذلك تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت)، والأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا، والفضائح السياسية التي أضعفت ثقة الناخبين في حزب المحافظين.
حصل حزب العمال على 412 مقعدًا في البرلمان البريطاني المؤلف من 650 مقعدًا، وهو انتصار تاريخي يعكس تحولاً كبيرًا في السياسة البريطانية. ومع ذلك، يواجه الحزب تحديات كبيرة في إدارة الاقتصاد البريطاني، حيث ارتفع الدين العام إلى 102% من الناتج المحلي الإجمالي. الخدمات العامة مثل النظام الصحي تواجه ضغوطًا هائلة، مع وجود ملايين الأشخاص على قوائم الانتظار للعلاج.
تعهد حزب العمال بعدم رفع الضرائب الأساسية، مما يزيد من صعوبة تمويل الإنفاق العام اللازم لتحسين الخدمات. هذا يعني أن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى إيجاد توازن دقيق بين زيادة الإنفاق والحفاظ على الاستقرار المالي، وهو تحدٍ كبير يتطلب سياسات اقتصادية مبتكرة وفعالة.
إيران: التحديات الاقتصادية والانتخابات الرئاسية
في إيران، حقق مسعود بيزشكيان فوزًا كبيرًا في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 16.4 مليون صوت. يأتي هذا الفوز في وقت تعاني فيه إيران من عقوبات اقتصادية قاسية أثرت بشدة على الاقتصاد الإيراني، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، الريال الإيراني.
يسعى الرئيس الجديد إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال الانفتاح على الغرب وإحياء الاتفاق النووي، الذي يمكن أن يؤدي إلى تخفيف العقوبات. قبل الانتخابات، كان الريال الإيراني يتداول عند 615 ألف ريال مقابل الدولار، وبعد فوز بيزشكيان تحسن إلى 590 ألف ريال.
إيران تواجه تحديات كبيرة في جذب الاستثمارات الأجنبية بسبب إدراجها على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تمنع التعاملات المالية مع الدول المدرجة على هذه القائمة بسبب قضايا غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. الرئيس الجديد سيحتاج إلى دعم البرلمان، الذي يهيمن عليه التيار المحافظ، لإجراء التعديلات اللازمة على القوانين المالية لضمان خروج إيران من القائمة السوداء.
المغرب: تحديات اقتصادية وفرص جديدة
في المغرب، قرر البنك المركزي خفض سعر الفائدة من 3% إلى 2.75% بعد سلسلة من الزيادات لمواجهة التضخم. هذه الخطوة جاءت نتيجة لتحسن الوضع الاقتصادي وتراجع معدل التضخم إلى 4% في مايو مقارنة بـ 10.1% في أوائل عام 2023. ومع ذلك، يواجه المغرب تحديات كبيرة بسبب الجفاف الذي أثر على إنتاج المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح، مما سيضطره إلى استيراد كميات كبيرة من الغذاء في وقت يواجه فيه تكاليف مرتفعة لإعادة البناء بعد الزلزال الأخير وتجهيزات كأس الأمم الأفريقية.
خاتمة
تلقي التغيرات السياسية بثقلها على الاقتصاد، لكن الفرص تكمن في كيفية استغلال هذه التحولات لصالح النمو والاستقرار. في فرنسا، بريطانيا، وإيران، يمكن أن تؤدي السياسات المدروسة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية رغم التحديات الكبيرة.
م. رائد الصعوب؛ بتوظيف الذكاء الاصطناعي
RaidSoub@Outlook.Com
لا تفوت مشاهدة الفيديو الكامل للحصول على المزيد من التفاصيل والمعلومات القيمة.
يمكنك مشاهدته عبر هذا الرابط: [
]