الرفاعي محذراً: استعجال البعض تشكيل حكومة حزبية “غير محمود”
حذر رئيس اللجنة الملكية للتحديث السياسي ونائب رئيس مجلس الأعيان سمير الرفاعي من أن الاستعجال في تشكيل حكومة حزبية، وما نراه من إرهاصات العودة إلى أحزاب الأشخاص، استعجالٌ “غيرُ محمود” سيجهض جوهرَ التحديث السياسي، جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها اليوم جمعية الحوار الديمقراطي الوطني والنادي الأرثوذكسي تحت عنوان “خيارات الأردن حيال التحديات الراهنة”.
وقال الرفاعي إن هذا التحديث الذي لم يشمل قوانين الانتخاب والأحزاب فحسب، بل تجاوزها لتوصيات تشريعية توسّعُ دائرةَ المشاركة العامة عبر مناحٍ عدة أبرزها الإدارة المحلية، والانتخابات البلدية التي أرادت تلك التوصياتُ أن تجعلها حواضنَ لبناء قيادات مستقبلية قادرةٍ على الخدمة العامة ومدركة لاحتياجات قواعدها الانتخابية.
وأضاف “فيما ترزح كثير من بقاع عالمنا تحت منظومات حكم شمولية، يطالبنا الملك بعدم احتكار القرار السياسي لفئة على حساب أخرى وبتوسعة قاعدة المشاركة الشعبية؛ انطلاقاً من إيمانه أن السبيل لإيصال صوتنا وحمل قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يكون إلا من خلال أحزاب برامجية تعمل في ظل الدستور وتحت قبة البرلمان، حيث أطلق جلالته المبادرات والرؤى والأوراق النقاشية لتعزيز الحريات والمشاركة السياسية وبناء نظام سياسي ديموقراطي يعتمد على تعزيز الحياة الحزبية كسبيل للمشاركة الأوسع رغم كل التحديات التي كانت وما زالت تواجه المنطقة”.
وأشار الرفاعي إلى أن خطة التحديث السياسي ولجنتها الملكية التي عملت طوال أربعة أشهر مستمرة جاءت لتضع الآليات المثلى لتطبيق رؤى جلالته وتطلعات الأردنيين والأردنيات، هذه الرؤى والتطلعات تمت ترجمتها إلى تعديلات دستورية ونصوص قانونية وتوصيات سياسية واجتماعية وإدارية باتت اليوم في عهدة الحكومة والقوى السياسية، والمجتمع المدني، وكل أردني وأردنية.
وقال “مع أوجه النجاح الكثيرة التي نراها لهذه التجربة حتى الآن، لكن لا يمكن أن نقول بنجاحها الكامل، خاصة ونحن نرى انكفاء البعض نحو أحزاب الأشخاص ومحاولة اتخاذ التجربة ذريعة للوصول إلى المواقع والمناصب دون التفات حقيقي لمصلحة المواطن وانعكاس التجربة على حياته وبإذن الله سيقوم المواطن الأردني بالاختيار بنفسه من من الأحزاب الكبيرة اليوم، التي ستبقى في المراحل الثلاث القادمة وتؤطر الأحزاب برامجها وتأتلف مع بعضها البعض ليكون المواطن والوطن هما الهدف الوحيد”.
واضاف بقوله ” لدينا شواهد عديدة، من تجاربنا السابقة ومن تجارب الآخرين، تؤكد فشل أحزاب الأشخاص في العمل السياسي عامة، وبتحسين أوضاع الوطن ورفع مستوى مشاركة المواطنين. وهناك دلائل عديدة توضح كيف تخلق الرشوة السياسية أو الحزبية أو الانتخابية الأزمات بدل الحلول طويلة الأمد”.
وبالحديث عن المال السياسي وتوظيفاته، سلط الرفاعي الضوء على التعديل الدستوري التي نسّبت به اللجنةُ، وتم إقراراه، وأصبح الآن جزءاً من الدستور، ووضعت، بموجبه، قيودّ على النائب، كما هي القيود على الوزير بالنسبة للتعاقد مع الحكومة، والهيئات الرسمية، كي لا تكون هناك مساحة للمصالح الشخصية تحكم علاقة النائب بالسلطة التنفيذية، فتكون أداة ضغظ بأي من الاتجاهات، ولضمان أن يكون موقف النائب نابعاً من اعتبارات مستقلة أو من برنامج الحزب، وليس نابعاً من مصلحة أو حسابات شخصية.
كما تناول الحديث عن التعديل في قانون الأحزاب والانتخاب، الذي وضع سقفاً هو خمسمائة الف دينار للقائمة الوطنية ومائة ألف دينار للقائمة المحلية في الانتخابات البرلمانية، لكي يكون المعيار لانتخاب القائمة أو الحزب هو البرنامج الانتخابي وليس أي شيئ آخر، ويجرم من ينفق خارج هذه السقوف على مستوى الأفراد، أما على مستوى الأحزاب؛ فقد يفقد الحزب المخالف ترخيصه. وعلى كل حزب إرسال موازنته من دخله وإنفاقه إلى الهيئة المستقلة بشكل دوري، مع التأكيد على منع الأحزاب من امتلاك أي مشاريع استثمارية.
على صعيد متصل، قال الرفاعي “ونحن على اعتاب مرحلة جديدة، أراد جلالة الملك أن تكون عنوان المئوية الثانية، في التحديث السياسي والإصلاح الاقتصادي والاداري؛ ستكون انتخابات 10 من أيلول القادم، أول مرحلة ضمن المراحل الثلاثة القادمة. لذا، يجب أن نعمل جميعا على إنجاحها، من مؤسسات رسمية وأحزاب ومواطنين. وهذا التحديث سيؤسس لمستقبل نريده جميعا للشباب. وهو ما يتطلب أن تكون لجامعاتنا الطليعة بهذه التجربة، ونبتعد بها عن الجهوية والعصبيات الفئوية لتشكيل تحالفات المستقبل. وبحيث يكون البرنامج الواقعي المنتج هو الجامع. وبالتأكيد، لا يوجد بيئة أفضل من الجامعات للبدء بهذه العملية السياسية والاقتصادية والإدارية، فإذا عملت الأحزاب على الاستثمار الواعي المنهجي بعقول وطاقات الشباب والأساتذه في الكليات المختلفة في هذه الجامعات، لوضع اقتراحات وتصورات للقطاعات العديدة في اقتصادنا؛ نكون قد نجحنا بدمج الشباب والمؤسسات العلمية والأحزاب والمؤسسات الرسمية بالبرامج معاً”.
وأضاف على سبيل المثال لا للحصر؛ اذا كان للحزب برنامج زراعي تنموي أو أراد أن يطور رؤيته البرامجية في المجال الزراعي، فسيكون أمامه الذهاب إلى كليات الزراعة لبلورة هذه الأفكار كما يحصل في الديمقراطيات الكبرى. وتصبح، بذلك، المؤسسات التعليمية مراكز فكر ودعم قرارات ومنارات للبرامج المفيدة للوطن. وهذا بالتاكيد أفضل للمواطن وللوطن من السباق على زيادة عدد مقاعد هذا الحزب أو ذاك في اتحاد الطلبة.إن هدفَ العملية الانتخابية ليس الفوزَ بأكبر عدد من المقاعد في أي انتخابات فحسب، بل إثبات أن الأحزاب قادرة على استقطاب الأردنيين على أساس برامج واقعية تلبي تطلعات المواطن وتحل مشكلات حياته اليومية”.
وفي ذات الصدد، قال الرفاعي البرنامج هو عنوان الحزب، والدافع للانتساب إليه، وليس أسماء قياداته أو ما يقدمونه من وعود غير قابلة للتحقيق، أو توزيع للمكاسب والمناصب، بغير ذلك نكون كأن لم ننجز شيئا، ونطيح بأحلام الأردنيين، وبتطلعات شبابه الذين وصلت نسبة ثقتهم بطروحات اللجنة خلال عملها إلى 66% ، بما يعني ان الشباب الاردني يأمل ويريد التغيير.
ولفت إلى أن هؤلاء الأردنيون وهذا الشباب الذي عندما سيتوجه إلى صناديق الاقتراع في العاشر من أيلول؛ عليه أن ينظر في: كيف يبني هذا الحزب تصوراته وبرامجه لتوسعة الطبقة الوسطى؟ وكيف ينظر للمشاريع الكبرى؟ وما موقفه من خدمة العلم؟ أو امتحان التوجيهي؟ وقضايا البطالة والترهل الإداري وتشجيع الاستثمار والزراعة والصناعات التحويلية النهائية، والمياه وكل قطاع من قطاعات الوطن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأنه كلما اتضحت الصورة واتضح البرنامج اصبح افضل على المواطن محاسبة الحزب على الوعود.
وقال يجب أن نعمل جميعا لنجاح التجربة وضمان العمل الحزبي البرامجي عبر برامج تكون مكملة لبرامج السلطة التنفيذية أو منافسة لها، وصولا إلى تجربة “حكومات الظل” التي يكون فيها ممثلو الحزب منتخبين على أساس قدرتهم على صنع التغيير وليس أسمائهم أو أرصدتهم البنكية، ويكون فيها الحزب مستعداً لدخول الحكومة، عبر برامج وخطط قابلة للتطبيق، إذا فشل منافسوه في تنفيذ وعودهم وبرامجهم بعد انتهاء المراحل الثلاث القادمة. وهذا لا يعني أننا لن نرى وزراءَ يأتون من الأحزاب في المراحل الثلاث. وشخصيا أعتقد بأن ذلك سيكون محموداً إذا حمل شخوصُ هذه الأحزاب برامج مفيدة؛ إذ أن هناك فرقاً كبيراً بين أن ينضم أفرادٌ حزبيون إلى الحكومة، أو أن تكون الحكومة حزبية بالكامل، وهي الحكومة التي بإذن الله سنراها بعد المراحل الثلاث القادمة، وأيضا عندما تثبت هذه الأحزاب البرامجية جدارتها تحت قبة البرلمان.
ولفت إلى ان هذا كله ليس إلا جزءا من عجلة متكاملة من الإصلاح والتحديث السياسي والاقتصادي والإداري الذي يشكل بمجمله دورة من التطوير الوطني لا تدور عجلاتها إلا متوازية متناسقة.
كما كرر الرفاعي التأكيد على ثوابت الرؤية الملكية السامية بضرورة الالتزام بخط التنمية الشاملة المستدامة، التي تتضمن خارطة طريق شاملة، مدعومة بقرار سياسي، باتجاه الإصلاح والتطوير الشمولي السياسي والاقتصادي والإداري، وأصبحت اليوم في عهدة المجتمع المدني والقوى السياسية، والحكومة وأجهزة الدولة، وتقع مسؤولية الالتزام بها والرقابة على إنجازها على كاهل كل منا.
وفي معرض حديثه عن التحديث الاقتصادي، أكد الرفاعي أنه يحتاج أولا أن نعترف جميعا بالاختلالات العديدة في السوق المحلي، وعجلة الاقتصاد الوطني، والتي نتحملُ جميعاً جزءا منها، بصور مختلفة مثل الإصرار على الاستمرار بالتوجه نحو التعليم الأكاديمي على حساب التعليم المهني والتقني، ومنح الادخار أولوية على الاستثمار وغيرها، وهذا الموضوع الأخير يتعلق ايضا بالبيروقراطية وصعوبة ممارسة الأعمال التجارية وحجم الطبقة الوسطى والفوائد البنكية العالية على القروض.
وأشار إلى ان الحكوماتُ تتحمل مسؤوليةَ الكثير من هذه الاختلالات، خاصة عند لجوئها للقرارات غير المدروسة والمبنية على الشعبويات الآنية، وعدم العمل الحقيقي نحو شراكة منتجة بين القطاعين العام والخاص، وإنشاء صناعات وطنية إنتاجية، كما نرى من نهج جيراننا وأشقائنا في الخليج العربي مثلا بالتوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي رغم ما يتمتعون به من ثروات طبيعية.
وإضاف بقوله “بغير ذلك لن نستطيع الصمود أمام التقلبات الاقتصادية، ولا اقناع المواطن بالمشاركة السياسية، ولا دفع عجلة التحديث الإداري، الذي يحتاج كذلك إلى تضافر جميع الجهود، فكما يجب على الأجهزة الرسمية محاربة البطالة المقنعة، يجب على المواطن عدم التساهل باللجوء الى الواسطة ، والإيمان بأن المستقبل بالشراكة مع القطاع الخاص، واقتناع الموظف بحقيقة الخدمة العامة ورسالتها”.
وشدد الرفاعي على ان ما يزيد أهمية هذا كله اليوم، أن وطننا، عدا عن أنه بالكاد يمتلك أي موارد طبيعية (وبإذن الله ما نملكه يجب استثماره بطرق افضل) ، لا رهان له إلا على أبنائه وبناته، فهو دائما مرتبط ارتباطا وثيقا بمحيطه الإقليمي والعالمي ما يجعله أكثر عرضة للآثار الجانبية لأي وكل أزمة، ومنها ما يحدث في فلسطين المحتلة والحرب الغاشمة على أهلنا في غزة والتي ندفع ثمنها نتيجة لالتزام الأردن بعروبته وصموده على مواقفه، ودعم الحل العادل والشامل وصولا إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.
واختتم قوله “هذا ما يجب أن يسير، خطوة خطوة، ويداً بيد، مع تأكيد أولوية الحفاظ على الأردن، ومصالحه العليا، واعتداله وعلاقاته البناءة مع الجميع، واستثمار اتفاقياته الخارجية ومعاهداته؛ لضمان تحقيق وحماية مصالحه ومصالح أشقائه وتقوية وتعزيز جبهته الداخلية، وتحسين الوضع الاقتصادي، وفتح فرص للشباب الأردني، وبما يخفف من الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه المأساة”.