رفع عدد مقاعد الكوادر الطبية في الجامعات الاوروبية .. وجهة نظر

د. مالك القصاص 

قامت أوروبا في السنوات الأخيرة الماضية بزيادة عدد مقاعد الطب والتمريض ومعظم التخصصات الطبية في الجامعات الأوروبية، كاستجابة حيوية لعدة تحديات تتعلق بالرعاية الصحية وتلبية الطلب المتزايد على القطاع الطبي. كما وقامت العديد من الدول الأوروبية بعمل خطط استراتيجية لتطوير البنية التحتية التعليمية والتوسع في البرامج الأكاديمية لتعزيز القدرة الاستيعابية، ولتطوير وتحسين جودة التعليم الطبي من خلال تحديث المناهج الدراسية وتوفير مرافق تعليمية متقدمة.

 

وفي هذا الشأن، تعزى دوافع هذه الزيادة الى الاحتياجات الصحية المتزايدة ولمواجهه الشيخوخة السكانية، حيث ان ارتفاع نسبة كبار السن في أوروبا يتطلب مزيدًا من الأطباء لتلبية احتياجات الرعاية الصحية لهذه الفئة. وكذلك لمواجهة الضغط على الخدمات الصحية، حيث ان التحديات الناجمة عن الأوبئة مثل COVID-19 أبرزت الحاجة إلى تعزيز القطاع الصحي بزيادة عدد الأطباء والكوادر الطبية المدربة. وبالإضافة الى تعزيز الكوادر الطبية وتعويض الأطباء الذين يتقاعدون وضمان توافر عدد كافٍ من الأطباء في المستقبل. وكذلك لتحسين الرعاية الصحية، حيث ان زيادة عدد الأطباء سيساهم في تحسين جودة الخدمات الصحية وتقليل وقت الانتظار.

على الصعيد الإيطالي، يشير تقرير مركز أبحاث "كريا" (CREA - Centro per la Ricerca Economica Applicata in Sanità) في جامعة تورفيجاتا (Università di Roma Tor Vergata)، لعام 2023، الى ان إيطاليا بحاجة الى حوالي 270 ألف من الكوادر الطبية، كاستجابة الى التحديات التي تتعلق بالرعاية الصحية.

 

وفي ذات السياق، قامت ايطاليا بعمل استثمارات كبيرة في السنوات الأخيرة في القطاع الطبي، لتعزيز النظام الصحي الوطني لمواجهة التحديات المتزايدة وتحسين جودة الرعاية الصحية وضمان استدامة النظام الصحي. من خلال تحديث البنية التحتية، وتطوير القوى العاملة الصحية، وزيادة عدد المقاعد في كليات الطب والمهن الصحية، وتقديم برامج تدريب مستمرة للأطباء والممرضين لتحسين مهاراتهم وتحديث معارفهم الطبية، والاستثمار في البحث الطبي.

 

ومن الجدير بالذكر، ان العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا، قامت بعمل العديد من التشريعات والقوانين لتسهيل قواعد الهجرة للمساعدة من مواجهة أزمة النقص المزمن في الأيدي العاملة وخصوصا في القطاع الطبي، وقد تحدثت عن هذا في الموضوع في مقال سابق على منصة عمون.

 

على الصعيد الأردني، قامت وزارة التعليم العالي في إصدار قرارات تخفيض عدد المقبولين الجدد في التخصصات الطبية للأعوام 2023-2024 وحتى 2027-2028. كما وقرر مجلس التعليم العالي رفع الحد الأدنى لمعدل القبول في الثانوية العامة الأردنية أو ما يعادلها لغايات الالتحاق بتخصصي الطب وطب الأسنان بالجامعات غيـر الأردنية خارج المملكة ليصبح 90%، وذلك اعتباراً من بداية العام الجامعي 2024-2025.

 

أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة تطوير التعليم في الأردن واسأل نفسي هل لدينا خطة واضحة وشاملة لتحديث مخرجات التعليم وتطوير المهارات اللازمة في الاردن؟ قرارات وزارة التعليم العالي بتخفيض عدد المقاعد ورفع الحد الأدنى، في ظل ازمة نقص الأطباء والكوادر الطبية الذي يعاني منها العالم وخصوصا اوروبا، دون وجود خطة واضحة لتعزيز القدرة المستقبلية لتدريس وتخريج المزيد من الأطباء والكوادر الطبية، يحد من إمكانية زيادة صادراتنا من خريجي هذا التخصص عالي القيمة إلى دول الجوار والعالم. فاذا كان الخوف من البطالة بحسب وزارة التعليم العالي: فلماذا لا يتم الاستفادة من العلاقات الدبلوماسية الأردنية القوية مع الاتحاد الاوروبي لتخصيص حصة للكوادر الطبية الاردنية في إيطاليا وفي كل دول الاتحاد الأوروبي؟ هل هذه القرارات اخذت بعين الاعتبار الأردنيين في الخارج؟ فكيف يمكن للمغتربين، وبالأخص الجيل الثاني، الذين سيتخرجون وسيعملون في أوروبا، العودة الي الأردن؟ ومن الجدير بالذكر، ان دراسة الطب في أوروبا لا يعتمد على معدل الثانوية العامة فقط، فعلى سبيل المثال، في إيطاليا، يتم عمل امتحان قبول تنافسي وبناء على عدد المقاعد يتم اختيار الطلاب.

 

وبالإضافة الى ذلك، وبحسب دراسات وجدتها على الانترنت، فان معدل الثانوية العامة ليس المؤشر الوحيد للنجاح في المجال الطبي، وأن عوامل أخرى مثل المهارات الشخصية والدعم الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا. وكذلك أداء بعض الطلاب في البيئات السريرية غير مرتبط بشكل مباشر بمعدل الثانوية العامة. كما وتشير العديد من الدراسات إلى أن الذكاء الأكاديمي أو القدرة على الحفظ ليست بالضرورة مؤشرات مباشرة على نجاح الكوادر الطبية، حيث ان النجاح في المجال الطبي يتطلب مجموعة متنوعة من المهارات والمعارف التي تتجاوز الأداء الأكاديمي التقليدي.