ارتفاع الأجور الطبية يفتح ملف التأمين الصحي في الأردن

عاد ملف ارتفاع الأجور الطبية في الأردن للواجهة مجدداً بعد تسكينه لنحو عام، إثر أزمة نشبت بين الأطباء وشركات التأمين في حينه.

 وعلى وقع مخاوف من ارتفاع كُلف الإنفاق على الرعاية الصحية وتراجع قدرة كثير من المواطنين على مراجعة الأطباء والمستشفيات، مررت الحكومة بعد شد وجذب اتفاقاً يقضي برفع أجور الأطباء 60 في المئة، قياساً إلى ما كانت عليه سابقاً ولأعوام طويلة.

لكن مراقبين يطالبون بتدارك تبعات هذا القرار عبر إجراء إصلاحات هيكلية في نظام الرعاية الصحية وتوسيع نطاق تغطيتها، وتحسين البنية التحتية والخدمات المقدمة للمواطنين.

لائحة أجور جديدة

وأعلنت الحكومة الأردنية رسمياً بدء تطبيق لائحة جديدة لأجور الأطباء بعد نشرها في الجريدة الرسمية الأسبوع الماضي، إذ يؤكد نقيب الأطباء زياد الزعبي أن زيادة الأجور تصل إلى 60 في المئة على لائحة الأجور السابقة والقديمة، والتي يعمل بها منذ عام 2008.

وقال الزعبي إن تطبيق هذه الأجور سيكون تدريجاً وعلى ثلاث مراحل، مراعاة لظروف المواطنين الاقتصادية، لكنه في المقابل سينصف الأطباء وفقاً لنسب التضخم في الاقتصاد الأردني، في حين أن المواطن، وفق مراقبين، سيكون الحلقة الأضعف في هذه المعادلة والطرف الأكثر تضرراً مع قيام شركات التأمين برفع قيمة عقودها.

وبشكل عام تتركز نفقات الأسر الأردنية صحياً على الأمراض المزمنة والتنفسية، وكذلك أمراض القلب والسرطان الناجمة عن انتشار التدخين بشكل كبير ومستفحل.

وبمجرد الإعلان عن لائحة الأجور الجديدة فقد شكا موظفون يعملون في القطاع الخاص من تغيير كبير على عقود التأمين الصحي التي ينتفعون بها، لجهة زيادة الأقساط وقيم نسب التحمل لدى مراجعة الأطباء، وحتى في الصيدليات والمختبرات الطبية.

بدوره قال الرئيس التنفيذي لاتحاد شركات التأمين مؤيد الكلوب إن "المتضرر الرئيس من الأجور الجديدة التي أصبحت واقعاً هو المواطن الأردني"، مضيفاً أن "الحكومة عندما أقرت هذه الأجور الجديدة لم تراع مصالح الأطراف كافة، وتم استصدار اللائحة الجديدة استرضاء للأطباء ومن دون إعطاء فرصة لشركات التأمين لتصويب أوضاعها"، موضحاً أن "شركات التأمين لم توافق على الأجور الجديدة".

بينما يقول ممثل نقابة الأطباء مظفر الجلامدة إن لائحة الأجور القديمة عمل بها مدة 15 عاماً من دون أي تعديل، وأن الأجور الجديدة أقرت بموافقة ومشاركة جميع الجهات المعنية، وهي حق مكتسب للأطباء، موضحاً أن نسبة الارتفاع في الأجور معقولة ومنطقية وترضي جميع الأطراف.

 حق الصحة في خطر

ويعتبر "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية" أن زيادة الأجور الطبية لا تشكل حلاً واقعياً، لأن النزاع بين شركات التأمين والأطباء في حقيقته يشكل خطراً على حق الأردنيين في الرعاية الصحية، على اعتبار أن ذلك سيؤدي قطعاً إلى أقساط تأمين صحي أعلى أو تغطية مخفضة، أو وصول محدود إلى الخدمات الطبية الأساس.

ويخشى مراقبون من اضطرار الأسر الأردنية إلى خفض إنفاقها على الصحة في مقابل ارتفاع الإنفاق على ضرورات أخرى مثل التعليم والنقل، إذ خفض البنك الدولي تصنيف مستوى الدخل في الأردن عام 2023 ليصبح من "متوسط" إلى "منخفض"، بعد أن كان من "متوسط" إلى "مرتفع" خلال العامين الماضيين، مما دفع الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى القلق بعدما كشفت الإحصاءات عن انخفاض معدل إنفاق الأسرة الأردنية على الطعام والشراب 25 في المئة، مما سيؤدي لاحقاً إلى انخفاض الإنفاق على الصحة بسبب لائحة الأجور الطبية الجديدة التي ارتفعت 60 في المئة.

استدامة التغطية

ويصنف تقرير لصندوق النقد الدولي الإنفاق على الصحة في الأردن بأنه مرتفع نسبياً مقارنة باقتصادات الأسواق الناشئة، لكنه يدعو إلى ضمان استدامة التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية الأولية الذي لا يزال منخفضاً.

ويشكل الإنفاق على القطاع الصحي في الأردن نحو تسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الأخيرة، ويتوقع أن تصل قيمته إلى أكثر من 6 مليارات دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

ويطرق صندوق النقد الدولي تحديات تواجه الإنفاق الصحي في الأردن، ومن بينها الضغوط المالية التي تواجهها المملكة يوماً بعد آخر، والسياسات التقشفية التي تتبعها لمواجهة ارتفاع الدين العام ومعدل النمو السكاني، مما يفرض توسعاً في الخدمات، وبخاصة للأطفال دون سن السادسة وكبار السن، فضلاً عن شمول المصابين بأمراض مزمنة مثل السرطان والفشل الكلوي.

ارتفاع الإنفاق

وفي رصد أجرته "اندبندنت عربية" لحجم الإنفاق الحكومي على الصحة، يتضح أن ثمة تبايناً خلال الأعوام الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية المختلفة.

 

ووفقاً لتقارير الموازنة العامة فقد بلغ الإنفاق العام على الصحة خلال عام 2020 نحو مليار دولار، بسبب جائحة كورونا، ثم ارتفع إلى نحو 1.1 مليار دولار عام 2021 مع استمرار تدابير مواجهة الجائحة.

 

وفي عام 2022 زاد الإنفاق الحكومي إلى 1.15 مليار دولار، ثم ارتفع قليلاً عام 2023، وأما بالنسبة إلى العام الحالي فقد خُصص مبلغ يقارب العام الماضي ضمن مشروع الموازنة.

 

وعلى صعيد متصل فثمة ارتفاع في عدد المؤمّن عليهم صحياً، ففي العام الماضي وصلت نسبتهم إلى 72 في المئة، تشمل التأمين العسكري والمدني والجامعي والخاص.

 

ويقدر عدد المشمولين بالتأمين الصحي المدني بنحو 3.5 مليون شخص، من بينهم 650 ألف طفل دون سن السادسة، و1.5 مليون شخص من كبار السن، ونحو 900 ألف موظف في القطاع العام.

 

أما المنتفعون من ​التأمين الصحي الخاص فيقدر عددهم بنحو 1.7 مليون شخص يتلقون العلاج في المستشفيات الخاصة.

 

ويبلغ عدد المستشفيات الحكومية في الأردن 32 بعدد أسرّة لا يزيد على 5200، كما يبلغ عدد موظفي المستشفيات 16400 موظف بينهم 6 آلاف طبيب، ويحظى كل 10 آلاف أردني بـ27 طبيباً فقط، أما عدد المستشفيات العسكرية فيبلغ 15 مستشفى إضافة إلى اثنين جامعيين.