من شباب 2006 إلى شباب 2024

مالك العثامنة 

في حكاية كنت ذكرتها سابقا في مقالات على منابر عربية، أجدها الآن مهمة للدلالة.

 فقد كنت ضمن مدعوين صيف عام 2006 لحضور فعاليات مؤتمر شبابي أردني في قاعة مؤتمرات البحر الميت، والفعالية كانت برعاية الملك نفسه. 

 

ألقى الملك كلمته وغادر القاعة على تصفيق الجميع، فالكلمة وبحق كانت مكثفة جميلة، وملهمة!! 

أهم ما ورد في كلمة الملك أنه يطمح وبصدق لمعرفة رؤية "الشباب" الأردني، ممثلا هذا الشباب بهذه الهيئة الشبابية، وأوضح الملك أن رؤية الشباب التي ينتظرها ستوضع محل الرعاية والدراسة أمام الحكومة (الغائبة بكل وزرائها وممثليها عن حضور تلك الفعالية بأي تمثيل).

زميلي على الطاولة يومها كان الراحل سامي الزبيدي رحمه الله، الذي سأل شابا وشابة من المشاركين عن "رؤيتهم" لواقع الحال!! وهو سؤال فضفاض يفتح المجال لحوار يمكن البدء فيه من أي نقطة. 

إجابة الشابة، والتي لقيت تأييدا من الشاب زميلها كانت حاسمة وقاطعة : "رؤيتنا هي رؤية سيدنا الله يطول عمره"! 

تدخلتُ أنا، وقلت للصبية إن "الملك شخصيا طلب معرفة رؤيتكم أنتم"، لكن مداخلتي لم تغير قناعات الشباب بأن الرؤية الوحيدة هي رؤية "سيدنا" كما كرروا بضيق من إلحاحنا يومها الذي انتهى بتدخل من أحد مساعدي مدير مكتب الملك حينها .

فكرة شباب كلنا الأردن كانت تشبه تنظيما لإعداد "قيادات" أو بالأحرى إعادة صياغة الشباب على نسق واحد. تنظيم يشبه "طلائع البعث" بدون أدبيات أو أيدولوجيا مثل البعث، فقط "رؤية الملك" التي كان ولا يزال يبحث عنها الملك نفسه بين الناس.

 

قبل أسبوع، كنت ضيفا محاورا في فعالية منتدى "تواصل" التي أطلقتها مؤسسة ولي العهد.

وبين عام 2006 وعام 2024 مسافة كافية لألمس الفرق الكبير، فالشباب الذين التقيتهم هذه المرة حالة نوعية مختلفة، لديهم تماسك بالوعي وثقة عالية بالنفس وإدراك حقيقي على قدرتهم بإحداث الفرق.

في منتدى تواصل، تحدثنا أنا ونخبة من أساتذة موقرين في حضرة الشباب الأردني، كان حوارا مفتوحا ويمكن لأي ممن تشرفت بالحديث بمعيتهم ان يؤكد ما وصلت إليه من قناعة أننا كنا في حضور وعي نوعي متماسك لديه رؤية مبنية على المعرفة الحقيقية لا على الدجل والشعوذة المؤسسة على "وطنيات" او عقائد مصبوبة صبا في العقول.

خارج الجلسات، كانت خلايا النحل واللقاءات الإذاعية والنشاطات التي يديرها هؤلاء الشباب بإدارة مؤسسة ولي العهد، وكانت الأسئلة كما الحوارات مؤسسة على ثقة بالنفس ومعرفة واعية وبحث حقيقي عن أجوبة خالية من دسم الإنشاء واستعراضات البلاغة.

 

كنا بحاجة ماسة إلى مؤسسة مثل مؤسسة ولي العهد، تعمل بهدوء وبدون ضجيج، ويشرف عليها ولي العهد نفسه والذي كشف جانبا كبيرا من رؤيته الشخصية في مقابلته الأخيرة على العربية بتماسك وثقة هي ذاتها التي عند الشباب المنضوين تحت مؤسسته ونشاطاتها.

عام 2006، ربما كان الشباب الأردني بحاجة إلى شخص مثل ولي العهد يمثلهم في مركز صناعة القرار، وها قد أتى بوقته.