النقابات المهنية بين المهنية والجباية ...

إبراهيم أبو حويله ...

سأبحث الموضوع من محورين مهني وإداري. 

اليوم نحن نتكلم عن عجز بملايين الدنانير في صناديق النقابات المختلفة ، وهذه النقابات تحاول أقناع الحكومة بطرق مختلفة لتحميل هذه المبالغ لمنتسبيها من جهة ، مع ما يحمل ذلك من ظلم قد يقع على المنتسبين ، فبأي حق يدفع المنتسب الجديد إشتراكات لن يستفيد منها إلا المنتسب القديم ، أو تحميل هذه المبالغ لأي قطاع تستطيع الوصول إليه من جهة أخرى ، وهذا أيضا ظلم وإثارة للرأي العام .

من الحماية والتأمين والغطاء إلى التبعات والحمل الثقيل، هل أصبحت النقابات عبء على المنتسبين بدل أن تكون داعما ومعين لهم، ما بدأ حلما أصبح كابوسا، ليس المقصود من النقابات أن تكون أحزابا ولا منابر دعوية ، بل المقصود منها الإلتفات إلى منتسبيها وتحقيق مصالحهم بما يضمن لهم أداء وظائفهم ضمن الحماية والمراقبة والتدريب والرعاية . 

خرجت النقابات من هذا الإطار لتدخل في نقاش لا ينتهي، وأثرت التيارات السياسية التي إنتهجتها بعض النقابات على أدائها الأصلي وساهمت بفصل المنتسبين إلى تيارات مختلفة فهذا أبيض وذلك أخضر، ولعمري ما كان الإسلام يوما إلا حاويا لغيره موظف له مفعل لطاقاته في سبيل مصحلته أولا ومصلحة الأمة ثانيا . 

لكن غياب الفهم وإختلاف الزمن جعل الخلط في المفاهيم هو الصفة العامة ، فهذه النقابات هي نقابات تنفيذية مختصة تسعى لهدف واحد فقط هو منتسبيها ، وكل المنتسبين لها فقط ، والاصل ان لا تكون لها علاقة مع المفاصل الاخرى في المجتمع ، بشكل يعطل مصالح الآخرين كما يحدث في بعض النقابات ، أو يفرض رسوم وتحصيل أموال وصور تعاقدية أخرى بعيدة عن مجال اختصاصها. .

ويبدو أن غياب الخبرة والدراسات الإكتوارية والبعد المستقبلي عن هذه الفئة التي كانت هي صاحبة القرار في هذه النقابات ، جعلها تأخذ قرارات تغيب عنها الحكمة والرؤية المستقبلية في بعضها والذي كان له اثر كبير لاحقا .

فهنا رواتب تقاعدية كبيرة على حساب إشتراكات وإيرادات لم تدفعها هذه الفئة أصلا، وإستثمارات لم تتحقق ، وهناك شراء لعقارات وأراض بأضعاف سعرها أو لم تتحقق الطفرة السعرية التي يتوقعونها ، فعزف جيل الشباب عن دفع أشتراكاتهم لهذه النقابات ، ليستفيد منها الكبار ولا أمل أمامهم للإستفادة منها ، فأعداداهم كبرت وما تم التخطيط له لا يمكن الوفاء به او هم اصلا لن يستفيدوا منه . 

ودخلت النقابات في نفق ، فمن جهة نفقاتها كبيرة ، ومن جهة أخرى هناك عزوف كبير عن الدفع أو حتى الإشتراك ، والحكومة لا تستطيع أن تكون طرفا بين النقابات ومنتسبيهاحتى لو أرادت،  إلا في حالات وقناعات معينة .

 ومع ذلك يشكل هذا الملف حرجا كبيرا لكل من يريد أن يضع بصمته فيه ، فهو لن يرضي الطرف الأكبر وهم المنتسبين ، ولن يحقق العدالة بين القديم والجديد من جهة أخرى . 

الملف شائك وحتى لو أراد القائمون عليه تصويب أوضاعه ، فهم سيحتاجون إلى مبالغ ضخمة للقيام بذلك وهذا لن يتحقق ، أو إذا تحقق سيكون على حساب فئة لصالح فئة لا تستحق ، فهذه العقدة برأيي هي عقدة لا حل لها إلا بقطعها كما فعل الإسكندر .

إذا نحن نتكلم عن مشكلة حقيقية هنا عقدة حقيقية ، ولذلك أرى أن الحل هو في حل صناديق النقابات ، وفي أبعاد يد النقابات نهائيا عن جيب المنتسبن من جهة وأي قطاعات أخرى لا علاقة لها بهذه النقابات  ، لأن الوقائع تؤكد بالكثير من الحقائق بأن هناك خلل في التعامل مع هذه الأموال من حيث الإدارة والإستثمار .

والعمل على إبقاء هذه النقابات بشكلها المهني بحيث تتابع المنتسبين ورخصهم ورخص مزوالة المهنة فقط ، والتأكد من أهلية منتسبيها لتقديم هذه الخدمات .

 ومتابعة هؤلاء المنتسبين في الميادين المختلفة برسوم رمزية تضمن إستمرار تقديم هذه الخدمات فقط في إطارها المهني بعيدا عن صناديق التقاعد والإستثمار والشراء والبيع . 

وإحالة هذا الملف إلى جهة مختصة مثل الضمان الإجتماعي ضمن تصور يحفظ حقوق جميع الأطراف بما تم دفعه من قبلهم حقيقة ، حيث أن الكثير منهم قد أخذ حقوقه التقاعدية التي دفعها وزيادة ، وليس بما تم اقراره من أنظمة وقوانين .

إحترامي...